في سياق حديثنا يومها، أخذت تحكي لي عن عالم البنات الذي عايشته خلال عامها الجامعي الأول.. كشاب جامعي، طالما كنت شغوفًا لمعرفة نوعية الأحاديث والحكايات التي تتبادلها شلل البنات التي أراها في الجامعة، واقفين هنا وهناك، يتبادلون الأحاديث الطويلة والضحكات والإشارات الخفية، المُبهمة دومًا لغير المتحدثين، وكان ما حكته لي مُقبضًا وكئيبًا للغاية.
90% من محتوى الحديث اليومي لتلك المجموعات من الفتيات تدور في فلك جمع معلومات عن زملائهم من الرجال، ومَن معجبة بمَن، وكيف تستطيع أن توقع به في شباكها، قبل أن تخطفه إحداهن منها وتسبقها. يتبادلن الحيل بينهن، وتحدث الكثير من الخلافات تصل إلى حد الصراع؛ لأن إحداهن اكتشفت أن صديقتها المُقرَّبة تسعى للإيقاع بنفس الشاب التي تنصب شباكها حوله منذ شهور.
لم أكن أشعر بالمفاجأة تجاه ما سمعت.. لستُ ممن يحبون أن يخدعوا أنفسهم، ويشعروا بالمفاجأة تجاه المُتوقع والمعتاد في مصر.
هل أتناسى أنه، وعلى الضفة الأخرى من النهر، تتمحور أحاديث شباب الجامعة، خاصة طلبة الصف الأول، حول الفتيات، وكيفية الإيقاع بهن، والحصول على أكبر منفعة منهن بأقل ثمن؟ في سنتي الجامعية الأولى، أُجبرت على أن أكون جزءًا من جلسة شبابية، اكتشفت فيما بعد أنها عُقدت لعقد اتفاق مراهنة بين مجموعة من الشباب، على من يستطيع الإيقاع بـ “جميلة الدفعة” أولًا، والفائز بالرهان يحصل على “عزومة غدا” وعلبتان من السجائر المستوردة.
هكذا يبدو واقع سنة الجامعة الأولى بالنسبة لمعظم الطلاب، إلا من رحم ربي: ذكورٌ يسعون لإشباع كبتهم ونهمهم الجنسي نحو الفتيات، بأكبر قدر وأقل تكلفة، وفتيات تحلم كل واحد منهن بالفوز بعريس المستقبل، حتى لا تخرج من سنين الجامعة خالية اليدين؛ ينتظرها وحش في نهاية النفق اسمه “العنوسة”، عارٌ مُطبق لا إرادة لها فيه، يستعد للانقضاض عليها وافتراسها.
لا يبدو ما تفعله معظم البنات في عامها الجامعي الأول، وربما طوال دراستها الجامعية، غريبا أو فعلا شائنا بالنسبة لمعظم المجتمع.. بالطبع لا تقول الأم لابنتها صباحا وهي ذاهبة للجامعة: “هيا اذهبي لتصطادي لكي عريسا”، لا تجري الأمور بها الوضوح، لكنه لا يخلو من التلميحات الضاغطة بالطبع، من الدعاء المتكرر بـ “ربنا يرزقك بابن الحلال اللي يستَّرك”، للحديث اليومي عن “فلانة” قريبتهم التي تم خُطبتها بالأمس، و”عقبالك بقى يا بنتي عشان نطمن عليكي”.. دائما تجد البنت نفسها حملا ثقيلا، يرغب جميع من حولها في التخلُّص منه في أقرب وقت ممكن، في موضع المُتهم؛ حتى تثبت براءتها.. براءتها من ماذا؟ من تهمة “العنوسة” بالطبع.
وهكذا، تخرج البنت من منزلها في الصباح، بزي غريب، ملفت للنظر غالبا، وماكياج لا يناسب يوم دراسي أبدا، قاصدة الجامعة، ولا شيء في عقلها يخص الدراسة، في ذهنها شيء أساسي: العودة بابن الحلال، الذي سيثبت لمن حولها أنها “بنت شاطرة وواعية”.
وعندها، تصبح مهمة “اصطياد العريس” مؤامرة معلنة للجميع، وإن خجل البعض من التحدُّث عنها صراحة.. كل من البيت يعلم بماذا تخرج البنت بهذا الزي المُلفت والماكياج الصارخ، بما فيهم الأب المتدين والأخ الغيّور، الكل يعلم، ولا يستطيع أن يجهر بما يعلم، أو يعترض.. هذا هو الحال في معظم البيوت المصرية، والباقي استثناءات تستحق الإشادة في زمن أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي إنسان، أن تمضي حياته، تتسرب من بين أصابعه سنينا تجر بعضها، دون اختيار منه، يفعل كما يريد من حوله، كما اعتادوا أن يفعلوا، وكما اعتادوا الصواب، حتى لو كان هذا يخالف الفِطرة الإنسانية في أبسط تفاصيلها.
ما هي الحياة إلا سلسلة من الاختيارات، يترتب عليها سلسلة متماثلة من النتائج. الفتاة التي ترتضي لنفسها النظرة التي تراها عبء ثقيل، ينزل كل يوم في مهمة البحث عن عريس، ينتهي بها الحال، في حالة نجاحها في المهمة المنشودة، زوجة بائسة تعيسة، تعيش مع رجل لا يرى فيها سوى عبء، كما رأى أبوها فيها منذ عدة سنوات، وقد يرغب يومًا من التخلُّص من هذا العبء؛ فتجدها جالسة في أروقة “محكمة الأسرة”، في صراعها للحصول على نفقتها ونفقة الأطفال المعلقون في رقبتها.. وإذا فشلت في مهمتها، تجد نفسها إنسانة بلا قيمة، بلا معرفة، عقل خاو لم تسع يومًا لملأه بشيء سوى ما يساعدها لإنجاز مهمة الإيقاع بالعريس المنتظر، موصومة بعار “العانس”، دون أن تمتلك أي أفق لبناء حياة مستقلة لها؛ لتصبح كيانًا له فائدة، قادر على رعاية نفسه وحمايتها، لا ينتظر عطفًا أو شفقة من أحد.
خلال عامك الجامعي الأول، وخلال سنين دراستك الجامعية، وفي حياتك بشكل عام، هناك أشياء لتعيشيها ولتتعلمينها، أهم من مهمة اصطياد العريس.. وهناك فرق كبير أن تتزوجي لتعيشي، تكملي رحلة الحياة مع من تحبين؛ لتصبح حياتك أفضل، وأن تعيشي لتتزوجي، فقط لا غير، دون أي هدف آخر في الحياة سوى الزواج.