يوم أمس كان"عبدالعفوَ بسام" متواجدًا بين جموع الفلسطينين في الهبة التي قاموا بها لـ فتح باب الرحمة المُغلق منذ 16 عامًا، ليس بوصفه مصورًا صحفيًا فحسب، بل لكونه مواطنًا فلسطينيًا يقطن إلى جوار المسجد الأقصى، ويُعد من رواده وزواره الدائمين، لذا توجه في الصباح الباكر إلى المسجد عاقدًا العزم على التقاط كل ما تطاله عينه وتسعفه قوته على تصويره"مثل هذه الأحداث تحتاج إلى سرعة ومهارة في تغطيتها" يقول "عبدالعفو" لـ بوابة المواطن .

فتح باب الرحمة
" باب الرحمة " هو أحد أبواب المسجد الأقصى من الجهة الشرقية أغلقه "صلاح الدين الأيوبي" بالحجارة لأسباب أمنية لأنه يؤدي مباشرة إلى المسجد بعكس باقي الأبواب التي تؤدي إلى البلدة القديمة فكان هو الأضعف من الناحية الأمنية، وهو باب مزدوج يعلوه قوسان ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة رخامية ضخمة، ويحتوي عل أكثر من قاعة، ليقرر الاحتلال منذ ما يقرب من عقد ونصف إغلاقه بالسلاسل والأقفال، لتتبدى من خلال ذلك مطامعهم في تحويله إلى كنيس يهودي.

مساء الخميس الماضي، احتشد آلاف الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى عاقدين العزم على فتح الباب الذي ظل مغلقًا لنحو عقد ونصف، ولم يحُل بينهم وبين التواجد والمشاركة في الفعالية الخطوة الاستباقية التي قام بها الاحتلال، بشنه حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من النشطاء والشباب المعروفين بتواجدهم الدائم في فعاليات القدس ومسيرات العودة، فاحتجزت أكثر من 60 ناشطًا، فكان الاعتقال احترازي كي تمنع أي تطورات للأحداث "فشلوا في ترهيب الباقين فتم لنا ما أردنا".

وفي صبيحة يوم الجمعة توافدت أعداد ضخمة على المسجد "ما جعل الأمر أشبه بانتفاضة جديدة"، سارت الحشود من الشوارع المحيطة باتجاه باب الرحمة تتقدمهم الأوقاف الإسلامية، وما هي إلا دقائق حتى كانوا أمام الباب، فأزالوا السلاسل والأقفال، وبدأوا في الدخول إلى الباحة الواقعة بالداخل لأداء صلاة الجمعة فيها "كنت لا أتوقف عن التصوير وقتها"، وأمام هذه الاعداد بدأت قوات الاحتلال في التراجع والوقوف خارج دائرة المسجد، غير قادرين على المواجهة خوفًا من التصادم المباشر مع الشباب الذي كان يملؤهم الحماس "الشاب اللي كان بعمر 4 سنوات وقت إغلاقه صار عنده 20 سنة".

في اللحظة التي خطت فيها أقدام الفلسطينيين عتبات باب الرحمة، حتى عم الفرح النفوس، تدفق الحماس في قلوبهم مرة أخرى، ذابوا في موجات من الوجد والشوق الذي دام لـ16عامًا لنيل لذة الصلاة في باحاته، فيما أخذ البعض يصدح بالهتافات يشاركه آخرون ترديد التهليلات والتكبيرات حاملين أعلام فلسطين، فيما تتنقل عيناه بين الجموع المتهافتة على الدخول لتصويرهم ورصد ردود أفعالهم، لتتركز عيناه لدقائق على شاب عشريني ما إن دخل إلى الباحة الداخلية، حتى احتضن أحد الأعمدة الرخامية القديمة وقد تملكته نوبة بكاء "كان يقبله حبًا وفرحًا بحلاوة الانتصار". 

تختلط المشاعر على المصور الثلاثيني أثناء تغطية تلك الفعاليات، تتنازعه الأفكار، تتوارد خواطر شتى إلى ذهنه، يتساءل بينه وبين نفسه، هل يشارك المحتفلين فرحتهم، أم يحمل الكاميرا ويصور وينقل الحدث، لكنه وصل مؤخرًا إلى قناعة مفادها أن رصد الحدث في تلك الأوقات أهم من أي شيء آخر.

طيلة الوقت لم تتوقف عدسة "عبدالعفوَ" عن التصوير والتقاط الصور ورصد ردود أفعال الفلسطينيين وإرسالها إلى وسائل الإعلام الخارجية ووكالات الأنباء، موضحًا أن الملايين في تلك الأوقات ينتظرون بشغف كل الأخبار المتعلقة بالانتفاضة من خلال مصدر متواجد داخل الحدث، نظرًا لأن الكثيرين لم تعد لديهم ثقة في وسائل الإعلام العالمية التي تحيد بالأخبار عن حقيقتها "الكثير بيعتمد في مصدره على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي"، لذا يحرص المصور الفلسطيني على حضور كل الفعاليات التي تُقام في المسجد الأقصى، فلم تكن هبة باب الرحمة هي الأولى فشارك قبل ذلك في هبَة الأسباط واعتصام البوابات الإليكترونية.

يرى "عبدالعفو" أن فتح باب الرحمة ، وضع فلسطين في الواجهة مرة أخرى وقربهم خطوة من الانتصار الأكبر، الذي بذلوا في سبيله محاولات مشابهة، فعندما وضع الاحتلال البوابات الإليكترونية على بوابات القدس كي يعرقلوا حركة الداخلين، اعتصم الفلسطينيون وقتها لـ3 أسابيع رافضين الدخول منها، وفي النهاية رضخ الاحتلال لمطالبهم وأزالوها، ليوجهوا صفعة جديدة بالأمس، والتي لم تكن محاولة لاسترداد الحق المسلوب فحسب بل كانت خطوة للحفاظ على ما تبقى في أيديهم "هم يحاولون زيادة سيطرتهم ونحن نمنعهم من زيادة هذه السيطرة".

لا تتوقف آمال "المصور الفلسطيني" عند حدود التصوير والرصد، بل يجنح به الأمل أن يجعلها نافذة لبث الأحداث كما هي دون مزايدة أو تشوية، كي يزيد الوعي الجمعي بأهمية القدس والقضية الفلسطينية، وإدراك العالم للأخطار المحدقة بها على الدوام من قبل قوات الاحتلال.