«كيف رآه أهل الحديث» رهن درع الرسول عند يهودي
الإثنين 11/مارس/2019 - 04:01 ص
أشارت دار الإفتاء المصرية إلى أن بعض الناس يتصور أنه بإمكانه أن يحكم على الأحاديث النبوية الشريفة بمجرد تخيله، وليس عنده من علوم العقل أو النقل ما يمكنه من ذلك، وقد يكون بعض ذلك من شبهات يسمعها أو يقرأها وليس عنده من العلم ما يستطيع أن يفرق بين الغث والسمين.
وهذا الأمر لا يستطيعه إلا أهل العلم ممن درس علوم الحديث الشريف وتمرس فيها، ونهل من باقي العلوم الشرعية ما يمكنه مما يعرف بمصطلح (نقد المتن).
والحكم الشرعي في هذا الأمر: هو حرمة الاعتداء على الحديث الشريف بمجرد الخاطر ومن غير العلماء، بل الواجب في هذه المسألة هو طلب الفتوى من أهل العلم بالحديث النبوي الشريف، والذين أفنوا أعمارهم في خدمته.
والدليل على ذلك أن الحديث الشريف الأصل فيه أنه من الوحي، فإذا قيل إن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالجواب: أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم حجة، وهي إما بالوحي، أو بإقرار الوحي له، ولذلك قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]، فلو كان يفعل ما لا يجوز شرعًا لما تأتّت منه الأسوة الحسنة.
ومَن أشكل عليه حديثٌ وجب عليه سؤال العلماء؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء:7].
أما بخصوص التخريج: فالحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث مِن طُرُقٍ عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ"، وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم أئمة ثقات مشاهير أعلام.
وأما بخصوص معناه: فليس في متن الحديث ما يُستنكر، والرهن عند اليهودي وغيره من غير المسلمين جائز، وقد تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم في عدة معاملات، والدليل الذي استأجره في الهجرة كان مشركًا.
كما أن تركه للرهن عند بعض أصحابه غير مستنكر، فالرهن هنا كان مقابل الطعام وهو الشعير، وقد يستحيي الصحابي من أخذ رهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما استحيا جابر رضي الله عنه في حديث الجمل لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم شراءه منه، فوافق استحياءً؛ لكون الجمل ناضحًا لهم يستقون عليه الماء، كما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من نساء الأنصار؛ من أجل شدة غيرتهن، مع كونه أثنى عليهن، وتقول عائشة رضي الله عنها: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ»، وحديثها في "البخاري".
وينبغي للسائل أن ينتبه إلى أن هناك فئة تريد الطعن في السنة عن طريق الطعن في الجزء لإسقاط الكل، وهذا ليس جديدًا، وإنما ينظرون في التاريخ ليستخرجوا منه طعن أسلافهم مما يساعدهم على ذلك، وقد ذكر أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله طعن بعض الناس في هذا الحديث، فنقل عنهم قولهم: وكيف يجوع مَن وقف سبع حوائط متجاورة بالعالية، ثم لا يجد -مع هذا- من يقرضه أصواعًا من شعير حتى يرهن درعه؟!! قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس في هذا ما يُستعظم، بل ما يُنكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤثِر على نفسه بأمواله، ويفرقها على المستحقين من أصحابه، وعلى الفقراء والمساكين، وفي النوائب التي تنوب المسلمين، ولا يرد سائلًا، ولا يعطي إذا وجد إلا كثيرًا، ولا يضع درهمًا فوق درهم.
وأخذ يتكلم عن زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: وقد يأتي على البخيل الموسر تارات لا يحضره فيها مال، وله الضيعة والأثاث والديون، فيحتاج إلى أن يقترض، وإلى أن يرهن، فكيف بمن لا يبقى له درهم، ولا يفضل عن مواساته ونوائبه زاد؟!! وكيف يعلم المسلمون وأهل اليسار من صحابته بحاجته إلى الطعام، وهو لا يُعلمهم، ولا ينشط في وقته ذلك إليهم. وقد نجد هذا بعينه في أنفسنا وأشباهنا من الناس. ونرى الرجل يحتاج إلى الشيء، فلا ينشط فيه إلى ولده، ولا إلى أهله ولا إلى جاره ويبيع العلق ويستقرض من الغريب والبعيد.
هذا، ولمّا كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد أعطاه الله الفقه مع الحديث فقد ترجم له تراجم أظهرت كثيرًا من الفوائد الفقهية المستنبطة من هذا الحديث، فقد أخرجه في عدة مواضع من كتابه "الصحيح"، منها قوله: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم، فقال: حدثني الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ".
وهذا الأمر لا يستطيعه إلا أهل العلم ممن درس علوم الحديث الشريف وتمرس فيها، ونهل من باقي العلوم الشرعية ما يمكنه مما يعرف بمصطلح (نقد المتن).
والحكم الشرعي في هذا الأمر: هو حرمة الاعتداء على الحديث الشريف بمجرد الخاطر ومن غير العلماء، بل الواجب في هذه المسألة هو طلب الفتوى من أهل العلم بالحديث النبوي الشريف، والذين أفنوا أعمارهم في خدمته.
والدليل على ذلك أن الحديث الشريف الأصل فيه أنه من الوحي، فإذا قيل إن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالجواب: أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم حجة، وهي إما بالوحي، أو بإقرار الوحي له، ولذلك قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]، فلو كان يفعل ما لا يجوز شرعًا لما تأتّت منه الأسوة الحسنة.
ومَن أشكل عليه حديثٌ وجب عليه سؤال العلماء؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء:7].
أما بخصوص التخريج: فالحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث مِن طُرُقٍ عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ"، وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم أئمة ثقات مشاهير أعلام.
وقد ورد الحديث أيضًا من طريق أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه البخاري وغيره.
وأما بخصوص معناه: فليس في متن الحديث ما يُستنكر، والرهن عند اليهودي وغيره من غير المسلمين جائز، وقد تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم في عدة معاملات، والدليل الذي استأجره في الهجرة كان مشركًا.
كما أن تركه للرهن عند بعض أصحابه غير مستنكر، فالرهن هنا كان مقابل الطعام وهو الشعير، وقد يستحيي الصحابي من أخذ رهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما استحيا جابر رضي الله عنه في حديث الجمل لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم شراءه منه، فوافق استحياءً؛ لكون الجمل ناضحًا لهم يستقون عليه الماء، كما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من نساء الأنصار؛ من أجل شدة غيرتهن، مع كونه أثنى عليهن، وتقول عائشة رضي الله عنها: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ»، وحديثها في "البخاري".
وينبغي للسائل أن ينتبه إلى أن هناك فئة تريد الطعن في السنة عن طريق الطعن في الجزء لإسقاط الكل، وهذا ليس جديدًا، وإنما ينظرون في التاريخ ليستخرجوا منه طعن أسلافهم مما يساعدهم على ذلك، وقد ذكر أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله طعن بعض الناس في هذا الحديث، فنقل عنهم قولهم: وكيف يجوع مَن وقف سبع حوائط متجاورة بالعالية، ثم لا يجد -مع هذا- من يقرضه أصواعًا من شعير حتى يرهن درعه؟!! قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس في هذا ما يُستعظم، بل ما يُنكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤثِر على نفسه بأمواله، ويفرقها على المستحقين من أصحابه، وعلى الفقراء والمساكين، وفي النوائب التي تنوب المسلمين، ولا يرد سائلًا، ولا يعطي إذا وجد إلا كثيرًا، ولا يضع درهمًا فوق درهم.
وأخذ يتكلم عن زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: وقد يأتي على البخيل الموسر تارات لا يحضره فيها مال، وله الضيعة والأثاث والديون، فيحتاج إلى أن يقترض، وإلى أن يرهن، فكيف بمن لا يبقى له درهم، ولا يفضل عن مواساته ونوائبه زاد؟!! وكيف يعلم المسلمون وأهل اليسار من صحابته بحاجته إلى الطعام، وهو لا يُعلمهم، ولا ينشط في وقته ذلك إليهم. وقد نجد هذا بعينه في أنفسنا وأشباهنا من الناس. ونرى الرجل يحتاج إلى الشيء، فلا ينشط فيه إلى ولده، ولا إلى أهله ولا إلى جاره ويبيع العلق ويستقرض من الغريب والبعيد.
وإنما رهن درعه عند يهودي؛ لأن اليهود في عصره كانوا يبيعون الطعام ولم يكن المسلمون يبيعونه، لنهيه عن الاحتكار. فما الذي أنكروه من هذا، حتى أظهروا التعجب منه، وحتى رمى بعض المرقة الأعمش بالكذب من أجله؟! ينظر: "تأويل مختلف الحديث" (ص: 216-220، ط. المكتب الإسلامي، مؤسسة الإشراق).
ولمّا أخرج ابن حبان هذا الحديث في "صحيحه" (3 19، ط. مؤسسة الرسالة) ترجم له بقوله: ذِكرُ خبرٍ قد شَنَّع به بعض المُعطلة على أهل الحديث؛ حيث حُرِمُوا التوفيقَ لإدراك معناه.
ولمّا أخرج ابن حبان هذا الحديث في "صحيحه" (3 19، ط. مؤسسة الرسالة) ترجم له بقوله: ذِكرُ خبرٍ قد شَنَّع به بعض المُعطلة على أهل الحديث؛ حيث حُرِمُوا التوفيقَ لإدراك معناه.
هذا، ولمّا كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد أعطاه الله الفقه مع الحديث فقد ترجم له تراجم أظهرت كثيرًا من الفوائد الفقهية المستنبطة من هذا الحديث، فقد أخرجه في عدة مواضع من كتابه "الصحيح"، منها قوله: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم، فقال: حدثني الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ".