ربما لم يفكر أحدنا في ترجمة تلك اللغة التي يحاول طفل رضيع ملقى داخل صندوق القمامة أن يتحدث بها، ولعل ذلك من رحمة الخالق بنا وبهم، لأننا لو علمنا ما يقوله لصعقنا جميعًا من قسوة ما اقترفته أيدينا.
للحظات فكرت أن أتخيل ترجمة تلك الكلمات التي لم تنطق، فوجدتني أمام بوابة ألم لم استطع إغلاقها إلا حينما أغمي عليَّ وغيبت عن الوعي قبل أن استفيق وأكتب هذه السطور.
«جميعكم مخطئون.. وأمام العادل معادنا».. هكذا خُيّل لي أنها كانت أول كلمة ترجمتها من بين صرخات هذا الطفل، لأجد أصابعي ترتعش، وتزيغ حروفي أمام ناظري، هل حقًا كلنا مخطئون، وما ذنبي أنا في خطأ اقترفته «فتاة لعوب »و «نذل طائش».
«أنتم الجناة..وهم نفذوا الجريمة».. صدمتني الترجمة الأخرى لصرخات الرضيع، فحقًا ربما كان «الطائش واللعوب» نفذا جريمتهما، لكننا حقًا جناة، حينها تذكرت ما كنت كتبته سابقًا حول «تيسير الزواج» و«تشغيل الشباب »و«النصيحة» و«رفاق السوء»، و«كلمة حق»و.........
«لا تسكبي الدموع».. نبهتني كلمات الترجمة التالية إلى ذلك السائل الحار الذي ينساب دون إرادة منيّ حتى أغرق أوراقي وجعل حروفي تتلاشي بلون الحبر الداكن الكئيب، وتركني خيالي حينها رغمًا عني حتى وصل إلى سقف غرفتي ورأيتني أنظر إلى نفسي غارقة في دموعي وسط كلماتي الضائعة، ولم أفق حينها إلا على لمسات أمي الحانية تربت على كتفي لتوقظني بابتسامتها الصافية وتمنع يدي أن تمتد إلى ذراعي فتنزع عني «كانيولا» المحلول المعلق بجواري حسبما أرشدهم طبيب أنقذني من الغيبوبة، فصرخت في حضن أمي باكية "أين أوراقي".