فتاة الخامسة أنا ، لازلت في ذلك العمر عندما يتعلق الأمر بموطني الحبيب، لازلت تلك الطفلة التي تغمرها الفرحة عندما ترى الألعاب النارية تنعكس على مياه النيل، لازلت أنتظر حلول المساء لينير جبل أبو الهوا أنواره على حياتي، أحن لرؤيته شامخا في نهار موطني فور نزولي من محطة القطار، أجزم أنه الجبل الأجمل في خيال هذه الطفلة الصغيرة.
أحنّ إلى لمس مياهها بيدي وإلى استنشاق رائحتها بين راحتي، يعجبني صبر المدينة، نعم اصفها بالصبر فهي متئنية كجدتي تماما صبورة صبر جدي على شقاوتي، حنونة تماما كأمي وآمنة كأبي، سعيدة كأطفال القرية.
هل عرفتم عن أي مدينة أتحدث ؟ إنها عروس النيل التي لن تكبر أبدا أسوان، أرسمها في خيالي طوال العام بزرقة نيلها وسطوع شمسها حتى ألقاها في شتاء كل عام، حتى أزور قبر جدي وجدتي، حتى أرى أبناء عمومتي، حتى أنزل في شوارعها وأقابل أهلها.
لطالما ظلت جبالها شامخة في مخيلتي منذ نعومة اظافري و نيلها جنة وارضها حديقة كبيرة، اتذكر شعوري في أول مرة وصلت في إلى قمة جبلي المفضل إلى قبة أبو الهوا، كان شعورا بالطيران، كنت أشعر انني في أعلى نقطة في الكون وليس في أسوان فقط، كنت أرى منزلي من الأعلى والجامع الذي على أول الشارع.
تتميز مدينتي بالعديد من المناظر الخلابة والمتاحف المتميز، كجزيرة النباتات التي تمتلئ بالنباتات النادرة، والمتحف النوبي الذي يضم العديد من مقتنيات النوبه القديمة، أما عن منطقة غرب سهيل التي تظهر النوبه في أجمل شكل لها مطلة على النيل بمراكبهم الشراعية، ليس هذا وحسب ولكن الكثير والكثير.
حنيني لها لن ينتهي لكن مع ذلك أتسائل كثيرا إن كنت سأستطيع العودة والعيش فيها بعد كل هذه السنوات بعد أن تركتها وأنا في السادسة من عمري وانتقلت إلى حياة القاهرة، يبدو السؤال صعب الإجابة، و أبدو محتارة، حياة المدينة أيضا لها سحر حياة القاهرة هي أرض للفرص، يدور داخلي صراع بين هذا وذاك، إلى أيهما سأستقر لا أعلم ويبقى المستقبل كفيلا بالإجابة.