عواطف الجمهور وذاكرة التاريخ
عواطف ومشاعر الجمهور تأخذ حيزًا مهمًا يستند عليه تصرفاته وقراراته، ويستمد منه ضعفه وقوته، للجمهور نسق أنفعالي محدد، يتأثر الجمهور بجميع المحرضات الخارجية، تختفي مصلحة الفرد الشخصية أمام دوافع الجمهور الضرورية، ويعتبر الجمهور الصور الموجودة حقيقة وواقع، فالجمهور يخضع للمحرضات و الأوهام بسهولة، لذا يصعب تصديق شهادة الجماهير.
مقولات مؤرخين
يقول "غوستاف لو بون"، في كتابه "سيكولوجية الجماهير"، إن إجماع العديد من الشهود، هو واحد من أسوأ الأدلة التي يمكن استخدامها لإثبات الحقيقة، كما أكد "لو بون" على أن الجماهير دائمًا متطرفة، ويخضعون للمبالغة، ويعاب عليهم الاندفاع و الغضب والتفكير المطرف غير النقدي.
دراسات واقعية
سرعة انفعال الجمهور نابعة من اللاوعي الجمعي، ينحاز بالتحريض إلى الأفعال
التي يختارها، في دراسة واقعية، وجد فرد بمفرده تعرضه لنفس المحرض الذي تعرض له فرد
وسط جمهور، لكن الفرد بمفرده استطاع أن يرى مساوئ المحرض بل ويستطيع السيطرة على
ردود أفعاله عن الفرد داخل الجمهور، ويظهر ذلك من خلال تحوله السريع وتنقله من
حالة إلى أخرى بسهولة، وهنا نرى الجمهور همجيًا ودمويًا وبطوليًا فجأة، أو جلادًا وضحية.
يتصف الجمهو بالتهور والاندفاع، ويؤخذ عليه
الهمجية فهو لا يعترف بأي عائق يقف أمام رغباته، إلا أن يكون وحده، فالفرد المعزول
عن الجمهور لا يستطيع أن يقوم بنفس الأفعال التي يقوم بها وسط الجمهور، فالهيجان
والحماس مقترن بكثرة العدد.
الجمهور وعواطفه
يخضع الجمهور لعواطفه بشدة، ويقوم أفراد
الجمهور بعدوى بعضهم البعض حتى يصير الشعور سائدًا، فيتجه الجمهور في أتجاه واحد، ويعتمد
الأمر على طبيعة المحرض، وتنتج الأساطير و الخرافات من مجموعة أحداث وصور، تكونت في
عقل الجمهور، مجتمعة لتشكل تتابع أفكار مختلقة.
يتأثر الجمهور بعواطفه لدرجة الهلوسة، فلا
يفترض بالجمهور أن يكون كبيرًا جدا لكي يقفد قدرته على رؤية الأحداث بشكل صحيح، فقد
يستبدل الأحداث بهلوسات بعيدة تمامًا عن الواقع، ذلك بمجرد توحيد عدد قليل أيًا كانت
درجة تعليمهم، حيث أن القدرة على الملاحظة و الروح النقدية تختفي.
الملاحظات الجمعية خاطئة، وتمثل الوهم الذي
انتقل من الفرد الأول إلى البقية، لذا يجب التحقق من شهادات الجماهير وعدم الأخذ بها
في المطلق، فالأحداث التي تحتل القمة في إثارة الجدل، هي التي تم تثبيتها من أكبر
عدد ممكن، وعلم دراسة سيكولوجية الجماهير، يؤكد على أن على الأغلب الحدث الحقيقي ليس
نفسه القصة المنتشرة التي اعتبرها الناس حقيقة.
يدعونا هذا الفرض إلى طرح سؤال مهم، ماذا عن كتب التاريخ؟!
يقول "غوستاف لوبون": "إن كتب التاريخ يجب اعتبارها
أعمال خيال صرف، إنها قصص خيالية عن الحقائق المرصودة بشكل سيئ"، فقد ورثنا قصصًا خرافية حسب رأيه، وبنى عليها العالم حقائق كاملة، فهو يرى أن كتابة التاريخ هو
مضيعة للوقت، لكننا ورثنا الأدب و الآثار والفن، الذي يعبر عن حقيقة الماضي.
يعتقد "لو بون" أن الشخصيات التي
اعتبرها العالم عظيمة ما هي إلا شخصيات أسطورية، تم تضخيم أعمالها لتصبح أسطورة
شعبية، وأن حياتهم في الحقيقة لا تشكل أي أهمية من الأساس، كما يرى أن قصصهم تم
تحريفها حسب ذاكرة الشعوب الذاتية في كل عصر لتتغير باستمرار من جيل إلى جيل.