لم تمنعه شيخوخته من مواصلة السعي "ماسح أحذية" يحكي قصته
السبت 10/ديسمبر/2022 - 05:03 م
أحمد الفل
طباعة
الأب هو الداعم الأول والعين التي لا تنام ، هو الحائط والسد المنيع المواجه لكل أعباء الحياة، القائد للسفينة العائمة في أعماق البحار تلك كلمات اقتبستها من رجل حكيم لم يتوانى لحظة عن السعي وطلب الرزق على الرغم من تقدمه في العمر وامتلاكه لأبناء قادرين على إراحته من شقاء الدنيا إلّا أنه رفض أن يعيش ما تبقى من عمره عالة على أبنائه، إنه الحاج "عبده" صاحب الـ 70 عامًا والاسم مستعار بناءً على رغبته.
في شوارعنا المصرية وتحديدًا أحد شوارع منطقة الجيزة يجلس رجل ممسكًا بكتاب الله عز وجل يتلوا ما تيسر من آياته وبجانبه أدواته القديمة والتي تمثل له الكثير لأنها تعد مصدر رزقه الوحيد حيث يعمل العم "عبده" ملمع أحذية، وهي مهنة بالنسبة للكثير تعد مهينة للكرامة ولكن أيهما أكثر إهانة التسول أم الاشتغال بمهنةِ شريفة من شأنها أن تحقق الكفاف في الرزق؟
وتستعرض بوابة المواطن قصة كفاح رجل ملأ قلبه الرضا التام وخلق الله فيه عزيمة غير متناهية حتى يصبح قدوة لكل من يقرأ قصته
"مش متابع حاجة ياابني إسألني عن لقمة عيشي الحياة بقت صعبة"
قالها الرجل المتقدم في العمر أثناء الحديث معه عن المتغيرات الحاصلة بسبب انتشار السوشيال ميديا، وسعي المعظم لطريق الكسب حتى ولو على حساب المبادئ والمعتقدات، أخرجها من فمه وعيناه تذرف دمعًا ليس لعدم رضاه ولكن حزنًا على زوجته المريضة التي يفعل كل ما بوسعه حتى يوفر لها بجانب سبل العيش تكاليف علاجها وأثمان الأدوية التي نصح بها الأطباء حتى تتعافى من مرضها الذي أصاب كليتها، وبعد مشاعر من الحزن سرعان ما عاد العجوز إلى ضحكته وأخذ يبعث في نفسه الطمأنية طامعًا في كرم الله الذي يفوق كل التوقعات كما أسرد
بداية القصة
وبحسب ما ذكر الحاج "عبده" أنه كان يعمل في إحدى الشركات الخاصة منذ أكثر من ثلاثين عامًا إلى أن حان موعد تصفية الشركة ليلقى خارج الأبواب بدون أي معاش يحصل عليه لإعانته في تربية ابنتيه الإناث وولديه الذكور فلم يكن من الأمر بد سوى طريقين إما أن يتجه إلى الطريق الحرام وطرق الكسب غير المشروع أو يسلك طريقًا آخر من أجل طلب الرزق وتزويج أبنائه ولو على الأقل الإناث منهم.
كفاح دام لسنوات
يقول الرجل أنه لم يكن لديه مهنة يستند عليها لمساعدة نفسه، وأسرته فاتجه إلى شراء أدوات ملمع الأحذية و"الأرزاق على الله" كما قال ، وظل الرجل يتنقل بين الأحياء متتبعًا المارة هنا وهناك من أجل مسح الأحذية للحصول على نقود تساعده في حياته وما كان ربك نسيّا حيث استطاع الحاج من خلال مهنته الشريفة تعليم أبنائه وبناته، حيث حصل ثلاثه منهم على المؤهل العالي "البكالوريا" مثلما قالها وبنت وحيدة حصلت على دبلوم تجارة، وواصل العمل حتى يكمل نجاحاته بتزويج ابنتيه الإناث كما ساهم بما قدر عليه في تزويج أبنائه الذكور ليشعر بأنه مالكًا الدنيا وما عليها إثر إنجازه الذي فعله هو سماه هكذا.
هل حان وقت الراحة؟
قد يتصور البعض أن الأمر قد انتهى وحان دور الأبناء لإراحة والدهم الذي أرهقته متاعب الدنيا ولكن المفاجأة أن كل تلك المسيرة كانت دون علم أحد أبنائه بطبيعة عمل أبيهم قالها لبوابة المواطن عندما أرادت التقاط بعض الصور مع العجوز لعرض قصته قائلًا "مش عاوز أتصور أنا ولادي هيزعلوا لو شافو صوري وأنا مش حابب يشوفوني في الحال ده".
وتابع حديثه قائلًا أبنائي يرغبون في إراحتي، ودائمًا ما يسعون إلى إقناعي بترك العمل الذي لا يعرفون ماهيته ولكنة عهد أخذته على نفسي ما دمت على قيد الحياة ألا أحد يتكفل بمصاريف علاج والدتهم والأنفاق على بيتي سواي.
حال الشباب اليوم
واستنادًا إلى تلك القصة فهل من عبرة إلى شباب اليوم؟ ، الذي أصبح لا يجد سوى مبررات يلقيها على كاهل الدولة تارة وعلى الظروف أخرى حتى يعذر نفسه على تواطؤه وقلة سعيه، وللأسف أصبح الحال مرعبًا حتى نجد المعظم من الشباب يملؤون المقاهي والساحات إما لرؤية المباريات أو اللعب، وتناسوا أنهم عماد الأمة والدافع لها إلى التقدم عن طريق العمل والكسب المشروع أيًا كان المسمى الوظيفي.