من عهد الملك فاروق ومصطفى النحاس.. تاريخ سور الأزبكية في حكاوي العم علي
في رائحتها العطرة والعتيقة حيث تعود بالذكريات إلى الماضي، عندما كان
الخديوي المسيطر على البلاد، عالم ملئ بالروايات في كل صفحة تحكي قصة جديدة،
مصطفى كامل وغيره ذكر أسمائهم بها، كتب عاشت من الدهر عقود لتكون الشاهد على
الأحداث.
في محافظة القاهرة وفي حي العتبة الشهير، تشم رائحتها على بعد أمتار، رائحة
مليئة بالذكريات، تسير بضع أمتار لتجد نفسك أمام عالم ملئ بالروايات إنه سور الأزبكية، حيث الآلاف من الكتب المرصوصة الشاهدة على العصور، كلًا منها شاهد
على قصة تعود لها عندما نريد أن تتضح لنا بعض الأمور.
في محل صغير يحطيه الكتب من جميع الجهات - كتب تفسير القرآن الكريم،
إلياذ هوميروس، حرية الرأي عند العرب، معنى الفن، النشاط الأهلي.. وغيرها - تجد رجل
أبيض الشعر طويل القامة عيناه زرقاوان، بملابس مهندمة ونظارة يجلس وفي يده كتاب،
ليكون أقدم من يبيع الكتب في سور الأزبكية وأحد الشهود على إنشاؤه، إنه العم "علي
عبد العاطي" صاحب الـ 72 خريفًا والشهير بـ«علي الشاعر».
رحلة إلى الوراء
يحكي «عبد العاطي»، لبوابة «المواطن الإخبارية»، قصة حي وسور الأزبكية
- أعرق مناطق القاهرة - وعلاقته بهذا السور، لنذهب في رحلة معه إلى العام 1907.
في العام 1907 وتحديدًا في حكم الملك فاروق، حيث كان مصطفى باشا النحاس
رئيسًا لمجلس الوزراء، تجمع الكثير من المواطنين من أنحاء البلاد عند حي العتبة
بالقرب من حديقة الأزبكية، لبيع الكتب نظرًا لجمال المنطقة آنذاك، فقد كانت محيطة
بمسارح عظيمة في مصر، وهي القومي والطليعة والعرائس.
كان عدد الباعة في ذالك الوقت 30 شخصًا، واتفقوا على الذهاب إلى مصطفى
باشا النحاس رئيس مجلس الوزراء في حكم الملك فاروق آنذاك من أجل الحصول على ترخيص
لبيع الكتب في حي الأزبكية، وبالفعل تم إصدار ترخيص لهم لمزاولة عملهم.
وبعد تولى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حكم البلاد، وتحديدًا في العام
1959 طلب منه عبد القادر حاتم - أحد مؤسسي جهاز المخابرات المصرية - إنشاء مكان لبائعي
الكتب خاصة وأن تلك الفترة ارتفعت فيها نسبة الوعي لدى المواطنين ومستوى التعليم وأصبحت أعداد المثقفين كبيرة.
وتم إنشاء سور الأزبكية ليكون وطن بائعي الكتب، ولكن في العام 1983 تم
هدم السور ونقله للسيدة زينب بسبب أعمال البناء في كوبري الأزهر والتي استمرت نحو
5 سنوات، ولكن بعد ما صدر حكم محكمة القاهرة لصالح التجار للترخيص لهم بالعمل في
السور، عادو له مرة آخرى.
خيبة أمل
ولكن سرعان ما عادوا وتم إخراج الباعة منه ونقلهم إلى حي الحسين بسبب
أعمال إنشاء مترو الأنفاق بميدان الأوبرا في العام 1993 لمدة أربع سنوات، ثم عادوا
من جديد في العام 1998.
أبًا عن جد
أما عن العم «علي»، فهو قضى 50 عامًا من عمره في بيع الكتب نظرًا إلى
أنها مهنة ورثها أبًا عن جد الجد: «قضيت 50 سنة من عمري في بيع الكتب كانت مهنة
والدي وجدي ووالد جدي في مطلع القرن العشرين، الكتب دي عالم جميل بتغوص فيه وترجع
بذكريات للوراء سنين لما الواحد بيقرأ كتاب بتحس أنه شايف الأحداث بتحصل قدامه
عالم جميل جدًا».
كان العم «علي»، قبل أن يبيع الكتب يعمل مدرسًا ولكنه وجد نفسه
أكثر في بيع الكتب وإلقاء الشعر: «أنا كنت شغال مدرس بس تعبت من الطلبة اللي مش
مقدرين أهمية العلم فقررت أعمل في مهنة أجدادي علشان بيجولها ناس تقدر العلم».
يتوافد الكثيرين من المواطنين من مختلف الشرائح والطوائف على العم
«علي»، لشراء الكتب.
ويؤكد العم «علي»، أن لديه مختلف الكتب القديمة التي يغلب عليها طابع
القدم وراثية من الآداب الكلاسيكي العالمي والتي توجد جميع نسخه باللغة العربية
والتي يصل عمرها إلى ثلاثين وأربعين عامًا ودواوين شعر من الجاهلي لصدر الإسلام
للعباسي والأمور لأمير الشعراء أحمد شوقي، هذا بجانب بعض المراجع لطلاب الدراسات
العليا ومجلات الأطفال.
يعيش العم «علي»، وأسرته من مهمة بيع الكتب: «زوجتي توفاها الله عندي
ولادي كبار مش متجوزين لسة بعول أسرتي من بيع الكتب بس.. وخلال شهر رمضان البيع
بيبقى أكتر الحمد لله».
وعن طرق استجماع الكتب، يقول العم «علي»، أن ذلك يتم من خلال بائعي
الروببكيا أو عن طريق بعض الكتب التي يبيعها أحدى الأسرة وتكون موروثة.
يتمنى العم «علي»، بأن يزو السور المزيد من الناس ويتجهوا لقراءة الكتب لزيادة ثقافتهم.