السرطان والاعتقال.. مناضلي فلسطين بين مقصلة الاحتلال الإسرائيلي
الأحد 15/يناير/2023 - 12:50 م
أمل سعداوي
طباعة
لم يكن همهم الوحيد مواجهة قوات الاحتلال الصهيوني، بل نيل الشهادة في سبيل الدفاع عن وطنهم الذي استوطنه الاحتلال وقيد حريتهم، وجلب المستوطنين ليقنطوا منازلهم هو الأسمى.
الإهمال والمرض والاضطهاد والتعذيب والحرمان والاعتداء بالضرب كانوا السلاح الذي يستخدمه الاحتلال الصهيوني ضد مناضلي فلسطين، الذين دفعوا أرواحهم فداء لأرض آمنت بالحرية، سنوات قضاها الاحتلال على الأراضي الفلسطينية ولم يكف شعبها عن الدفاع عن حقهم البسيط وهو الحرية.
دون العديد من مناضلي فلسطين صفحات جديدة لتسجلها أوراق التاريخ تحت عنوان "الشهداء"، لينضم لها أسماء جدد حلمت بها حتى نالتها، منهم من حُمل على الأكتاف مرتديًا العلم الفلسطين ليدفن بجوار الشهداء، ومنهم من سلبهم الاحتلال الصهيوني حقهم الأخير وهو إكرامه ودفنه، ليزيد بذلك آلم جديدًا بجوار الذي تسببوا به في وجدان أسرهم.
ثلاجات الموتى في المستشفيات الإسرائيلية
في الساعات الأربع والعشرين من يوم 20 ديسمبر 2022، كان الأسير ناصر عبد الحميد يصارع الموت، حالة أهملها الأطباء الإسرائيليون رافضين استكمال رحلة علاج مرض السرطان الذي دسوا في جسد الأسير الفلسطيني لتكون نهايته الشهادة أسيرًا في ثلاجات الموتى التابعة للاحتلال الصهيوني.
في صباح يوم الأربعاء 20 ديسمبر 2022، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، عن قراراه برفض تسليم جثمان الشهيد ناصر أبو حميد في العقد الخامس من عمره من مخيم الأمعري فى رام الله في الضفة الغربية، ليظل أسيرًا في ثلاجات مستشفيات الاحتلال الصهيوني تحت لافتة تبوح منها رائحة الموتى، كلوي زراع ونوع جديد من التعذيب لأسر الشهيد.
أكد شقيق الشهيد ناجي أبو حميد لـ «بوابة المواطن الإخبارية»، أن شقيقه لم يكن أسير الاحتلال الصهيوني منذ قريب، بل أنه اعتقل 5 مرات في أعوام مختلفة، الأولى كانت في العام 1987 عندما كان يناضل الاحتلال وظل خلف القضبان لـ 4 أشهر، ثم تم الإفراج عنه.
ليتم بعد ذلك اعتقاله لمدة عامين ونصف ثم تم الإفراج عنه، ليعاودوا الاعتقال مرة آخرى في العام 1990 وحكم عليه بالمؤبد، لكنه قضى نحو 4 سنوات فقط، وتم الإفراج عنه في إطار المفاوضات التي حدثت آنذاك.
ولكن شعاع النور لم يدم طويلًا ليدخل إلى السجن الإسرائيلي في العام 1996 ويقضى 3 سنوات بداخله ثم يُفرج عنه، وفي المرة الرابعة تم اعتقاله ليصبح أسيرًا داخل السجون حتى بعد استشهاده وكان ذلك في العام 2002، بعد مقاومته للاحتلال في انتفاضة الأقصى الثانية.
تم الحكم عليه في العام 2002، بالسجن 7 مؤبدات –الحكم عليه سبع مرات بالسجن المؤبد-، لم يكن الاعتقال هو الوحيد الذي قام به الاحتلال الإسرائيلي في حق الشهيد ناصر أبو حميد، بل تسببوا في إصابته بمرض السرطان عن طريق حقنه بإحدى الأبر: "أجي يا أمي ظابط إسرائيلي كبير وفي يده حقنه، وقام بحقني بها.. حسيت أن الدنيا بتلف بيا وفقد الوعي"، وفقًا لحديث الأسير لوالدته السيدة لطيفة أبوحميد في الزيارة قبل الأخيرة.
ففي العام 2021، شعر الشهيد ناصر بآلام شديدة في صدره تأتي وتختفي من الحين للآخر، ولكنها شديدة للغاية، ما جعل ضباط الاحتلال ينقله إلى المستشفى لمعرفة مصدر تلك الآلم، ولكن لم يكن هذا هو الحل الذي يمنع عنه الآلم بل كان بداية لمعاناة أكبر، لتدهور حالته الصحية بسبب إعطاه أدوية ليست مناسبة لحالته وهى الكمون والأسبرين.
وبعد إجراء التحاليل الآخرى، ووفقًا للتقرير الطبي للطبيبة الإسرائيلية، ميخال لوتيم، فقد تم تخيص حالة الشهيد ناصر على أنه مصاب بسرطان الرئة، ليخضع لجلسات الكيماوي وعملية استئصال للورم.
ولكن حالة "ناصر" تدهورت للغاية بعدما نقلوه من المشتشفى إلى السجن دون أن يتعافى بشكل كامل، ليدخل في غيبوبة ويتوفى على أثرها.
لم يكن الشهيد ناصر، هو الوحيد من أسرته الذي ذاق مراراة الاحتلال، بل أشقاءه الأربعة الأخرين في سجون الاحتلال محكومًا عليهم بالمؤبد، ليتوفى والدهم عليهم حزنًا في العام 2014.
"هذه قضيتنا قضية شعب ليست قضية فلسطين فقط بل قضية كل العالم أجمع، نحن نقاتل عدو احتل أرضنا وشرد عشرات الألاف من أبنائنا، وقتل أضعافًا مضعفة منهم وهدم وأحرق بيتونا".. "لن نستسلم ومنزلي فداء لفلسطين ولشعبها وإن هدمه الاحتلال فسنعيد البناء".. هكذا قالت والدة الشهد التي لُقبت بـ "خنساء فلسطين"
على الرغم من أن فقدان الابن أمرًا صعبًا على الأم ويترك آلمًا لا يزول للأبد، لكن السيدة "خنساء فلسطين"، كانت على قدر كبير من الإيمان: "الحمد لله رب العالمين اختار منا شهداء احنا متقبيلن كل أشي"
ولم يكن الأبناء الخمسة للسيدة "خنساء فلسطين" فقط من ضرروا من الاحتلال الصهيوني ففي العام 1991، قُتل جنينها الذي لم يخرج للدنيا بعدما ضربها جنود الأحتلال في بطنها وكانت في الشهر الثامن من الحمل.
ذهب ليحضر لزفافه ليعود عريسًا على النعش
كان محمد عباس، ابن مخيم الأمعري في رام الله، البالغة من العمر 37 عامًا، يجهز لحفل زفافه المقرر إقامته في 18 مارس 2023، والمصادف عيد ميلاده، من إحضار بدلة الزفاف لفرش البيت الذي سيقطن فيه مع خطيبته "رغد"، وغيرها من التجهزات المتعارف عليها.
فرحة كبيرة غمرت منازل العائلتين بسبب قرب موعد الزفاف الذي لم يتبقى عليه سوى 3 أشهر، الجميع يجهز ملابسه اللازمة لحضور الزفاف، وقاعة الفرح، ولكن الاحتلال الصهويني كان له رأى أخر ليكون حائل بينهم وبين تحقيق أبسط أحلامهم وهو أن يجمعهم عش الزوجية.
في يوم 22 ديسمبر لعام 2021، جاء خبر إلى عائلة محمد عباس تخبرهم بأن ابنهم قد استشهد من خلال رصاصة بندقية قناص إسرائيلي، ليطلق عليه الحكم النهائي و يُحمل على أعناق من أحبوه ليزف عريسًا إلى الجنة ملفوفًا بالعلم الفلسطيني وباقة من الزهور حول رأسه.
يحكي شقيق الشهيد محمد عباس، لبوابة "المواطن الإخبارية"، أن يوم استشهاد محمد قرر الأخير أن يعزم خطيبته وأشقاءه على الغداء، وبالفعل قام بتلك العزومة ثم أعاد خطيبته إلى منزلها وبعدها ذهب مع أصدقائه في نزهة.
استقل محمد عباس السيارة مع أصدقائه واتبعهم إحدى سيارات الاحتلال الإسرائيلي لتلاحقهم الأخيرة ويبادر الضباط بإطلاق النيران عليهم ليستشهد محمد بعد إطلاق 4 رصاصات.
أوضح شقيقه أن محمد اعتقل عدة مرات أولها في سن الـ 17 عامًا وتم الحكم عليه بالسجن 3 سنوات، بسبب إطلاقه النار على قوات الاحتلال بعدما بادروا بذلك أثناء دفن أحد أقاربه الذي استشهد.
وبعد خروجه بعام، عاودوا اعتقاله مرة أخرى ليحكم عليه بالسجن عامًا وكان حكمًا إداريًا - أي بدون تهمة- ليتم الإفراج عنه بعد قضاء المدة.
لم يكن سهلًا على والدة محمد استقبال خبر وفاة فلذة كبدها، بعد أن كانت تحضر لزفافه لتودعه إلى بيته مع زوجته، قامت بتحضير كفنه لدفنه، ولكنها احتسبه عند الله شهيدًا: " أمي الله يصبرها.. تحتسب نجلها شهيد عند الله سبحانه وتعالى مثله مثل كثير من شباب أرضنا".
لم يكتف قوات الاحتلال بقتل فلذة كبدها محمد عباس، لتقرر اعتقال نجلها الصغير محمود عباس 23 عامًا منذ 16 يومًا بدون تهمة، لتحكم عليه بالسجن 6 أشهر.