فنزويلا: مشروع الاشتراكية البوليفارية في مواجهة الرأسمالية والإمبريالية
الأحد 24/سبتمبر/2023 - 07:19 م
فاطمة بدوى
طباعة
أدى فوز هوغو تشافيز في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية عام 1999 إلى إعادة بناء فنزويلا وفقاً لمنظور الثورة البوليفارية ومبادئها.
خضع المجتمع الفنزويلي لتحوّل اجتماعي كبير بدأ بإعادة تعريف الدولة نفسها، ودستور جديد شمل حقوق الفنزويليين بتنوّعهم، وضَمن الحق في السكن والتعليم والصحة وشدّد على حماية البيئة، ونفَّذت فنزويلا إصلاحاً زراعياً أدّى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض الزراعي لأول مرة منذ أكثر من قرن. يكمن تفرّد تشافيز في صوغه نموذجاً اشتراكياً متجذراً في التاريخ الثقافي والسياسي الفنزويلي ومختلفاً عن النموذج السوفياتيّ والصينيّ وحتى الكوبيّ.
استطاعت الاشتراكية البوليفارية التغلَّب على الماضي الاستعماري لفنزويلا، وحققت السيادة والاستقلال السياسيين، وبدأت منذ يومها الأول استبدال هيكل الدولة القائم آنذاك بالكوميونات التي ما زالت تُشيَّد حتى اليوم. تهدف الاشتراكية في فنزويلا إلى تحقيق الاحتياجات الأساسية للشعب وممارسة تقرير المصير من دون وصاية أو ضغط خارجي، ومن خلال ممارسة الديمقراطية التشاركية يمكن للشعب الفنزويلي أن يعزل البرجوازية الكبيرة والكمبرادورية عن السلطة السياسية.
في الواقع، لا يعتقد الفنزويليون أنهم حققوا الاشتراكية، لكنهم يعدّون تحقيقها بمنزلة عملية مستمرة. ووسط وابل العقوبات الاقتصادية التي تتعرض لها فنزويلا اليوم، يؤكد الفنزويليون أن الدفاع عن الثورة يحدث يومياً من خلال بناء الكوميونات وتعزيزها؛ بالنسبة إلى الفنزويليين، هذه مسألة مفصليَّة في مقاومة الرأسمالية والإمبريالية محلياً وإقليمياً ودولياً.
يتلخَّص الإرث السياسي لتشافيز في الدفاع عن الاستقلال الوطني والأصول الثمينة التي استُعيدَت بعد 200 عام من التبعية السافرة، والاستمرار في بناء الاشتراكية البوليفارية في فنزويلا كبديل للرأسمالية يضمن توفير أكبر قدر من الضمان الاجتماعي والاستقرار السياسي والسعادة للشعب، وتحويل فنزويلا إلى دولة قوية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ضِمن القوى الكبرى الصاعدة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ما يضمن تشكيل منطقة سلام في الإقليم، والمساهمة في تطوير جغرافيا سياسية دولية جديدة يتشكل فيها عالم متعدد الأقطاب يسمح بتحقيق توازن عالمي، وبالتالي ضمان السلام في أنحاء العالم، وأخيراً جهود لضمان سلامة غابات الأمازون والحفاظ على الحياة في كوكب الأرض وإنقاذ الجنس البشري.
يرى تشافيز إمكانية تحديد الانتقال الفنزويلي إلى الاشتراكية من خلال خمسة جوانب: أولاً، تحويل القاعدة الإنتاجية للبلد سعياً إلى مستوى أعلى من دمقرطة القوة الاقتصادية؛ ثانياً، تغيير دور الدولة لضمان الدفاع عن سيادتها، وبدء عملية التراكم في تحقيق الاحتياجات الأساسية لغالبية السكان؛ ثالثاً، توسيع الآليات الإنتاجية الذاتية التحكُّم (الكوميونات) ودمجها على مستوى جماعي؛ رابعاً، استخدام التخطيط الديمقراطي كآلية لتنظيم علاقات الإنتاج؛ خامساً، التشديد على استقلالية البلد في مواجهة تدويل النظام الرأسمالي.
وعلى عكس الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن اشتراكياً ولا ديمقراطياً مثلما رأى تشافيز، انطوت الثورة الصينية على ممارسة ديمقراطية أصيلة، إذ حاول الماويون خلال الثورة الثقافية استئصال الممارسات البرجوازية التي استمرت داخل البيروقراطية والحزب والإدارة في الصين، وبرغم أن الصين آنذاك لم تكن مجتمعاً رأسمالياً، فإن منطق رأس المال كان يتحكم به.
يتعين على الناس في مثل هذا الوضع أن يُشيِّدوا ديمقراطية جذريَّة من شأنها أن تقضي على المنطق التراتبي لرأس المال وتقسيم العمل المصاحب له. هذا بالضبط هو مشروع الثورة الثقافية، وهو ما حاول تشافيز القيام به في فنزويلا اعتماداً على الكوميونات.
الكوميونات، بالنسبة إلى تشافيز، شكل متقدِّم للغاية للتنظيم السياسي قادر على تحويل المجتمع الفنزويلي الرأسمالي إلى مجتمع اشتراكي، وهي شكل للحكم والإدارة الذاتيّين تشكّله المجتمعات المحليَّة نفسها، وركيزة أساسية للديمقراطية في الإنتاج والملكية الاجتماعية. وبكلمات أخرى، الكوميونات شكْل حكم شعبي يضمن توسُّع المجتمعات المحليَّة في مشاريع أكبر وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات، وتحقيق اكتفائها الذاتي بالشركات التي يملكها ويديرها كامل أعضاء المجتمع المحلي، عبر الديمقراطية التشاركية.
"الكوميونات أو لا شيء" – هكذا لخَّص تشافيز في آخر لقاء متلفز له مشروع الكوميونات نظرياً وعملياً. بالنسبة له، من الضروري إعادة بناء النظام بما يسمح للتنظيمات الشعبيَّة (الكوميونات) التي تشكَّلت خلال الثورة أن تُشكِّل شبكة تدير البلد بأكمله كشرط أساسي للانتقال إلى الاشتراكية؛ عليها أن تتجاوز طابعها المحلي لتُشكِّل مجتمعة نظاماً وطنياً واحداً، وبصفتها تنظيمات شعبيَّة تعيد بناء النسيج الاجتماعي، وتغير العلاقات الاجتماعية وشكل ملكية أدوات الإنتاج، لتحقيق الإدارة الذاتية لاحتياجات مجتمعاتها المحليَّة من دون خضوع لهيمنة خارجية.
بحلول نهاية عام 2022، كان في فنزويلا أكثر من 3,800 كوميونة تضم أكثر من 49,000 مجلس كوميونيّ يتمركز أغلبها في الريف والمناطق الحضرية. في الكوميونة، تكون وسائل الإنتاج – الأرض أو المصانع ...إلخ – ملكاً لسكّانها الذين يتحكمون في كل شيء تقريباً؛ لدى جميع الكوميونيين الحق في تخطيط السياسات والمشاريع داخل أراضيهم وتحديدها وتنفيذها، ولديهم فُرص متكافئة للمشاركة السياسية والاقتصادية، إذ يسمح هيكل الكوميونة بأقصى قدر من المشاركة المجتمعية.
تكوِّن الكوميونة مجموعة وحدات مجتمعية تسمى "المجالس الكوميونية" (يتشكَّل كل منها عادة من نحو 200-400 عائلة في المناطق الحضرية لديهم هوية مشتركة ويسكنون المساحة الجغرافية نفسها، ونحو 20 عائلة في المناطق الريفية، ونحو 10 عائلات في المناطق التي يقطنها السكان الأصليون) التي يتكوّن كل منها من مجموعة لجانٍ متنوعة وفق ما يراه المجتمع المحليّ؛ اللجان التي تحدد قيود ملكية الأراضي وحقوقها، لجان تنظيم الوصول إلى المياه واللجان النسائية ...إلخ.
ويضم كل من تلك المجالس مصرفاً كوميونيّاً واقتصاداً كوميونيّاً ولجنتيّ تخطيط وظيفتهما تطوير السياسات والمشاريع بناءً على احتياجات المجتمع المحليّ، وتُمرَّر هذه السياسات والمشاريع في النهاية من خلال "مجلس المواطنين" الذي يضمن لجميع السكان الحق في التصويت.
وبمجرَّد إقرار السياسة، تبدأ اللجان بالتنظيم والتنفيذ. ولدى الكوميونة هيكل مماثل للمجالس التي تكوِّنها، إذ يتشكّل أيضاً من لجانٍ تضم متحدثين باسم المجالس الكوميونية، وتُتَّخّذ القرارات النهائية في "البرلمان الكوميونيّ" الذي يضم ممثلين عن جميع المجالس الكوميونية.
ولأن الكوميونيين ينظِّمون كامل العمليات التي تجري داخل الكوميونة، فإن الأفراد يلعبون أدواراً متعددة على عكس تقسيم العمل في الرأسمالية، وذلك يجعل لدى الفرد معرفة متواضعة بكامل عمليات الإنتاج داخل الكوميونة.
وعلى عكس العمل المأجور المُغتَرِب في الرأسمالية، ينظِّم الكوميونيون بأنفسهم عمليات العمل – الزراعي أو الصناعي أو الخدمي – ما يجعل تقسيم العمل داخل الكوميونة يخلق بيئة لا تؤدي إلى الاغتراب، فالعمل داخلها دائماً لديه معنىً هام للغاية لأن الأفراد ينتجون لأنفسهم ومجتمعهم المحليّ لا لسوقٍ خارجية، ويستهلك المجتمع المحلّي معظم الإنتاج فيما يُباع ما تبقى خارج الكوميونة من أجل تحقيق عائد مالي يوجَّه جزء منه لتعزيز الإنتاج والجزء الآخر للمشاريع والمبادرات الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات والإسكان وتوفير الأدوية والأغذية ...إلخ.
وتساهم العلاقة الإيجابية بين المجتمعات المحليَّة والشرطة في حل العديد من المشكلات، إذ تقدِّم الشرطة دائماً نصائح أمنية، وفي المقابل يمكن لأعضاء المجتمع المحليّ تقديم اقتراحات حول كيفية تحسين القانون والنظام، وتأخذ الشرطة تلك المقترحات على محمل الجد حتى إن بعضها يتم تنفيذه.
وفضلاً عن أن الشرطة الفنزويلية تُدرَّب في مراكز تضم مدنيين وناشطي حقوق الإنسان بفضل جهود الإصلاح التدريجي المستمرة منذ عام 2009، لا تدخل الشرطة العديد من الكوميونات، بل تحافظ منظمات المجتمع المحليّ المسلّحة أو ما يعرف بالشرطة الكوميونية على السلام المجتمعي والأمان وتسعى إلى خفض الجريمة واحتوائها.
قد يبدو مما سبق أنه يمكن للكوميونة أحياناً أن تدخل في تناقضات مع الدولة، وهذا صحيح نسبياً إذ يوجد بين الكوميونات وسلطة الدولة في فنزويلا حالة دائمة من الدفع والجذب، فالكوميونات لا تسعى إلى الحصول على الشرعية والحماية القانونية من الدولة وحسب، إنما أيضاً الموارد والتمويل.
خضع المجتمع الفنزويلي لتحوّل اجتماعي كبير بدأ بإعادة تعريف الدولة نفسها، ودستور جديد شمل حقوق الفنزويليين بتنوّعهم، وضَمن الحق في السكن والتعليم والصحة وشدّد على حماية البيئة، ونفَّذت فنزويلا إصلاحاً زراعياً أدّى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض الزراعي لأول مرة منذ أكثر من قرن. يكمن تفرّد تشافيز في صوغه نموذجاً اشتراكياً متجذراً في التاريخ الثقافي والسياسي الفنزويلي ومختلفاً عن النموذج السوفياتيّ والصينيّ وحتى الكوبيّ.
استطاعت الاشتراكية البوليفارية التغلَّب على الماضي الاستعماري لفنزويلا، وحققت السيادة والاستقلال السياسيين، وبدأت منذ يومها الأول استبدال هيكل الدولة القائم آنذاك بالكوميونات التي ما زالت تُشيَّد حتى اليوم. تهدف الاشتراكية في فنزويلا إلى تحقيق الاحتياجات الأساسية للشعب وممارسة تقرير المصير من دون وصاية أو ضغط خارجي، ومن خلال ممارسة الديمقراطية التشاركية يمكن للشعب الفنزويلي أن يعزل البرجوازية الكبيرة والكمبرادورية عن السلطة السياسية.
في الواقع، لا يعتقد الفنزويليون أنهم حققوا الاشتراكية، لكنهم يعدّون تحقيقها بمنزلة عملية مستمرة. ووسط وابل العقوبات الاقتصادية التي تتعرض لها فنزويلا اليوم، يؤكد الفنزويليون أن الدفاع عن الثورة يحدث يومياً من خلال بناء الكوميونات وتعزيزها؛ بالنسبة إلى الفنزويليين، هذه مسألة مفصليَّة في مقاومة الرأسمالية والإمبريالية محلياً وإقليمياً ودولياً.
يتلخَّص الإرث السياسي لتشافيز في الدفاع عن الاستقلال الوطني والأصول الثمينة التي استُعيدَت بعد 200 عام من التبعية السافرة، والاستمرار في بناء الاشتراكية البوليفارية في فنزويلا كبديل للرأسمالية يضمن توفير أكبر قدر من الضمان الاجتماعي والاستقرار السياسي والسعادة للشعب، وتحويل فنزويلا إلى دولة قوية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ضِمن القوى الكبرى الصاعدة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ما يضمن تشكيل منطقة سلام في الإقليم، والمساهمة في تطوير جغرافيا سياسية دولية جديدة يتشكل فيها عالم متعدد الأقطاب يسمح بتحقيق توازن عالمي، وبالتالي ضمان السلام في أنحاء العالم، وأخيراً جهود لضمان سلامة غابات الأمازون والحفاظ على الحياة في كوكب الأرض وإنقاذ الجنس البشري.
يرى تشافيز إمكانية تحديد الانتقال الفنزويلي إلى الاشتراكية من خلال خمسة جوانب: أولاً، تحويل القاعدة الإنتاجية للبلد سعياً إلى مستوى أعلى من دمقرطة القوة الاقتصادية؛ ثانياً، تغيير دور الدولة لضمان الدفاع عن سيادتها، وبدء عملية التراكم في تحقيق الاحتياجات الأساسية لغالبية السكان؛ ثالثاً، توسيع الآليات الإنتاجية الذاتية التحكُّم (الكوميونات) ودمجها على مستوى جماعي؛ رابعاً، استخدام التخطيط الديمقراطي كآلية لتنظيم علاقات الإنتاج؛ خامساً، التشديد على استقلالية البلد في مواجهة تدويل النظام الرأسمالي.
وعلى عكس الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن اشتراكياً ولا ديمقراطياً مثلما رأى تشافيز، انطوت الثورة الصينية على ممارسة ديمقراطية أصيلة، إذ حاول الماويون خلال الثورة الثقافية استئصال الممارسات البرجوازية التي استمرت داخل البيروقراطية والحزب والإدارة في الصين، وبرغم أن الصين آنذاك لم تكن مجتمعاً رأسمالياً، فإن منطق رأس المال كان يتحكم به.
يتعين على الناس في مثل هذا الوضع أن يُشيِّدوا ديمقراطية جذريَّة من شأنها أن تقضي على المنطق التراتبي لرأس المال وتقسيم العمل المصاحب له. هذا بالضبط هو مشروع الثورة الثقافية، وهو ما حاول تشافيز القيام به في فنزويلا اعتماداً على الكوميونات.
الكوميونات، بالنسبة إلى تشافيز، شكل متقدِّم للغاية للتنظيم السياسي قادر على تحويل المجتمع الفنزويلي الرأسمالي إلى مجتمع اشتراكي، وهي شكل للحكم والإدارة الذاتيّين تشكّله المجتمعات المحليَّة نفسها، وركيزة أساسية للديمقراطية في الإنتاج والملكية الاجتماعية. وبكلمات أخرى، الكوميونات شكْل حكم شعبي يضمن توسُّع المجتمعات المحليَّة في مشاريع أكبر وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات، وتحقيق اكتفائها الذاتي بالشركات التي يملكها ويديرها كامل أعضاء المجتمع المحلي، عبر الديمقراطية التشاركية.
"الكوميونات أو لا شيء" – هكذا لخَّص تشافيز في آخر لقاء متلفز له مشروع الكوميونات نظرياً وعملياً. بالنسبة له، من الضروري إعادة بناء النظام بما يسمح للتنظيمات الشعبيَّة (الكوميونات) التي تشكَّلت خلال الثورة أن تُشكِّل شبكة تدير البلد بأكمله كشرط أساسي للانتقال إلى الاشتراكية؛ عليها أن تتجاوز طابعها المحلي لتُشكِّل مجتمعة نظاماً وطنياً واحداً، وبصفتها تنظيمات شعبيَّة تعيد بناء النسيج الاجتماعي، وتغير العلاقات الاجتماعية وشكل ملكية أدوات الإنتاج، لتحقيق الإدارة الذاتية لاحتياجات مجتمعاتها المحليَّة من دون خضوع لهيمنة خارجية.
بحلول نهاية عام 2022، كان في فنزويلا أكثر من 3,800 كوميونة تضم أكثر من 49,000 مجلس كوميونيّ يتمركز أغلبها في الريف والمناطق الحضرية. في الكوميونة، تكون وسائل الإنتاج – الأرض أو المصانع ...إلخ – ملكاً لسكّانها الذين يتحكمون في كل شيء تقريباً؛ لدى جميع الكوميونيين الحق في تخطيط السياسات والمشاريع داخل أراضيهم وتحديدها وتنفيذها، ولديهم فُرص متكافئة للمشاركة السياسية والاقتصادية، إذ يسمح هيكل الكوميونة بأقصى قدر من المشاركة المجتمعية.
تكوِّن الكوميونة مجموعة وحدات مجتمعية تسمى "المجالس الكوميونية" (يتشكَّل كل منها عادة من نحو 200-400 عائلة في المناطق الحضرية لديهم هوية مشتركة ويسكنون المساحة الجغرافية نفسها، ونحو 20 عائلة في المناطق الريفية، ونحو 10 عائلات في المناطق التي يقطنها السكان الأصليون) التي يتكوّن كل منها من مجموعة لجانٍ متنوعة وفق ما يراه المجتمع المحليّ؛ اللجان التي تحدد قيود ملكية الأراضي وحقوقها، لجان تنظيم الوصول إلى المياه واللجان النسائية ...إلخ.
ويضم كل من تلك المجالس مصرفاً كوميونيّاً واقتصاداً كوميونيّاً ولجنتيّ تخطيط وظيفتهما تطوير السياسات والمشاريع بناءً على احتياجات المجتمع المحليّ، وتُمرَّر هذه السياسات والمشاريع في النهاية من خلال "مجلس المواطنين" الذي يضمن لجميع السكان الحق في التصويت.
وبمجرَّد إقرار السياسة، تبدأ اللجان بالتنظيم والتنفيذ. ولدى الكوميونة هيكل مماثل للمجالس التي تكوِّنها، إذ يتشكّل أيضاً من لجانٍ تضم متحدثين باسم المجالس الكوميونية، وتُتَّخّذ القرارات النهائية في "البرلمان الكوميونيّ" الذي يضم ممثلين عن جميع المجالس الكوميونية.
ولأن الكوميونيين ينظِّمون كامل العمليات التي تجري داخل الكوميونة، فإن الأفراد يلعبون أدواراً متعددة على عكس تقسيم العمل في الرأسمالية، وذلك يجعل لدى الفرد معرفة متواضعة بكامل عمليات الإنتاج داخل الكوميونة.
وعلى عكس العمل المأجور المُغتَرِب في الرأسمالية، ينظِّم الكوميونيون بأنفسهم عمليات العمل – الزراعي أو الصناعي أو الخدمي – ما يجعل تقسيم العمل داخل الكوميونة يخلق بيئة لا تؤدي إلى الاغتراب، فالعمل داخلها دائماً لديه معنىً هام للغاية لأن الأفراد ينتجون لأنفسهم ومجتمعهم المحليّ لا لسوقٍ خارجية، ويستهلك المجتمع المحلّي معظم الإنتاج فيما يُباع ما تبقى خارج الكوميونة من أجل تحقيق عائد مالي يوجَّه جزء منه لتعزيز الإنتاج والجزء الآخر للمشاريع والمبادرات الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات والإسكان وتوفير الأدوية والأغذية ...إلخ.
وتساهم العلاقة الإيجابية بين المجتمعات المحليَّة والشرطة في حل العديد من المشكلات، إذ تقدِّم الشرطة دائماً نصائح أمنية، وفي المقابل يمكن لأعضاء المجتمع المحليّ تقديم اقتراحات حول كيفية تحسين القانون والنظام، وتأخذ الشرطة تلك المقترحات على محمل الجد حتى إن بعضها يتم تنفيذه.
وفضلاً عن أن الشرطة الفنزويلية تُدرَّب في مراكز تضم مدنيين وناشطي حقوق الإنسان بفضل جهود الإصلاح التدريجي المستمرة منذ عام 2009، لا تدخل الشرطة العديد من الكوميونات، بل تحافظ منظمات المجتمع المحليّ المسلّحة أو ما يعرف بالشرطة الكوميونية على السلام المجتمعي والأمان وتسعى إلى خفض الجريمة واحتوائها.
قد يبدو مما سبق أنه يمكن للكوميونة أحياناً أن تدخل في تناقضات مع الدولة، وهذا صحيح نسبياً إذ يوجد بين الكوميونات وسلطة الدولة في فنزويلا حالة دائمة من الدفع والجذب، فالكوميونات لا تسعى إلى الحصول على الشرعية والحماية القانونية من الدولة وحسب، إنما أيضاً الموارد والتمويل.