الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم
الثلاثاء 26/سبتمبر/2023 - 01:52 م
فاطمة بدوى
طباعة
قالت الكاتبة والروائية المصرية رضوى الأسود خلال كلمتها التى القتها خلال ندوة الأزمة السورية والعامل الكردى التى عقدت فى أكاديمية العلوم السياسية بأرمينيا أن هناك دراسة بحثية قدمها المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية و الإقتصادية والسياسية، أكدت أن الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم؛ نظرًا لتعدد أطرافها ما بين أطراف محلية، وإقليمية، وأخرى دولية، وتعدد وتباين مصالح كل طرف إلى حد التشابك وأحيانًا التعارض.
ترجع حالة عدم الاستقرار وديمومة الصراع التي شهدتها سوريا إلى العديد من الأسباب؛ فبالنظر إلى طبيعة الحرب في سوريا سنجد أنها خليط غير متوازن من الحرب الأهلية، والحرب الإقليمية، والدولية، والحرب بالوكالة، والحرب الطائفية والمذهبية، فالصراع القائم في سوريا ليس تعبيرًا عن صراع مستقل قائم بذاته، وإنما يمثل وجهًا من أوجه صراع مركب متعدد الأطراف تتداخل فيه مصالح إيرانية، وروسية، وتركية، وأمريكية، وإسرائيلية، فضلًا عن مصالح القوى المحلية الكردية، والسنية، والشيعية، والقوى الدخيلة والمستحدثة كالتنظيمات الإرهابية؛ لذلك يمكن توصيف الصراع في سوريا على أنه صراع بين قوى إقليمية ودولية أشعلته قوى وعوامل داخلية تمثلت شراراتها في إندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية السورية في 2011، والتي جاءت متأثرة بموجة الاحتجاجات التي عمَّت الدول العربية وأُطلق عليها "الربيع العربي"، وهي الأحداث التي عبَّرت عن حالة من الكبت والإستياء الجماعي للشعوب العربية من الأنظمة الحاكمة.
يمكننا تناول الجذور التاريخية للأزمة من خلال استعراض الخلفية التاريخية لسوريا، و التي أدت إلى الوضع الحالي للأزمة؛ في البدء يجدر الذكر بأن سوريا دولة متنوعة ثقافيًا، وكان تعداد سكانها قبل اندلاع الحرب يبلغ حوالي 22 مليون نسمة.
تاريخيًّا كان السامريين المتحضرين من بلاد ما بين النهرين هم أولى المجموعات التي سيطرت على سوريا، وكان ذلك عام 3500 ق.م.
بعدها، ستصبح سوريا دومًا موطنًا خصبًا للنزاعات والصراعات، إذ أنها ستكون المكان الذي يحوي مزيج من الشعوب والثقافات، بداية من احتلال السامريين، إلى البابليين، ثم المصريين، ومن بعدهم الحيثيين، ثم الإغريق، فالرومان، ثم البيزنطيين، وحتى الفتح الإسلامي لسوريا ومصر في عهد الخلفاء الراشدين.
ونتيجة لكل ما سبق، فهي تتشكل من نسيج عرقي متنوع. أما عن اللغة؛ فاللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، مع وجود لهجات مختلفة حسب المنطقة، فلغات مثل التركية والكردية والأرمينية يتم التحدث بها كذلك.
أما عن التنوع الديني؛ فحوالي 75% من سوريا مسلمين، بما فيهم من سنيين، وهم يشكلون المجموعة الدينية الأكبر، وهناك الشيعة مثل الإسماعيليين والعلويين، ويشكل العلويون نسبة 11.5%، والدروز نسبة 3%، والإسماعيليون نسبة 1.5%، والمسيحيون الأرثوذكس نسبة 4.7%، وهم يشكلون الجزء المسيحي الأهم من إجمالي مسيحيي سوريا الذين يبلغون 14.1% من عدد السكان.
أما الجزء الآخر من التنوع وهو التنوع العرقي، فبجانب العرب، هناك أقليات؛ وهم الكرد، ويشكلون نسبة 8.5%، والأرمن، ويشكلون نسبة 4%، والتركمان الذين يشكلون نسبة 3%. أما الأغلبية فيمكن تعريفها بإنها للمسلمين السنة، وهم يتقاطعون أحيانًا، حتى أننا نجد من يتشارك نفس الدين والعرق.
لذا نستطيع أن نوجز الأزمة السورية في أنها نتيجة :
1- التعدد العرقي، العائد تاريخيًّا إلى ما تعرضت له سوريا من غزوات من شعوب متنوعة مثل العرب، والكرد، والمغول، والترك، كما كانت دائما مركزًا للحركات القَبَليَّة، وكان السبب وراء تلك الغزوات في الأغلب هو التربة الزراعية الخصبة التي تتمتع بها سوريا، وعلى هذا انقسمت سوريا بين العرب والكرد والتركمان.
2- التنافس الطائفي الشرس الذي جعل سوريا تُمثِّل ساحة صراع لفرض السيطرة بين عدة أطراف محلية وأقليمية ودولية؛ فالقوى المحلية المؤثرة في الأزمة السورية تتكون من: جبهة النصرة – جيش الإسلام – داعش – الجيش الحر – أحزاب المعارضة الكردية – قوات الأسد. والقوى الأقليمية والدولية يمثلها معسكر الشيعة بقيادة إيران، ومعسكر السنة المدعوم من السعودية، وتركيا، وقطر.
هذا التعدد في الأطراف، وهذا التعارض والتداخل في المصالح هو ما أطال أمد هذه الحرب، وتبعًا لذلك تعددت أشكال التدخل في المشهد السوري بين تدخلات سافرة وأخرى غير مباشرة، لأهداف ومصالح متباينة بين محاولات لإنهاء الصراع وأخرى لإطالة أمده، بين مؤيد لاستمرار النظام القائم، ومعارض له وساع للإطاحة به، في صورة بالغة التعقيد ومتعددة الأطراف بتفاوت أدوار تلك الأطراف؛ فبدءً كان هناك العديد من العواصم الأوروبية التي لعبت في كثير من الأحيان أدوارًا هامة كفرنسا، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكل من تركيا ودول الخليج الذين يدعمون التغيير ويسعون للإطاحة بنظام الأسد، ومن ورائهم تقف الولايات المتحدة، أما المعسكر الآخر فهو الذي يدعم استمرار نظام الأسد ويهدف لإبقائه، وهم إيران وحلفاؤها في العراق ولبنان (حزب الله)، ويقف من وراءهم روسيا و الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. لذا كان الصراع الطاحن، والذي لم يبدُ له نهاية حربًا بالوكالة عن أطراف متعددة لها أهداف محددة، ليس من بينها مصلحة وأمن سوريا وشعبها، ولكنها تتمحور بالأساس حول وجودهم وهيمنتهم ومصالحهم السياسية والاقتصادية.
ومؤخرًا، و في ما يخص الدور الكردي في الأزمة السورية، فما أبدته
التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق الإدارة الذاتية الكردية سوريا أراه يُعَدُّ مشاركة فاعله في حل الأزمة، فقد أبدت استعدادها للقاء الحكومة السورية بهدف التوصل إلى حلّ للأزمة في البلاد، في خطوة تأتي على وقع انفتاح عربي متسارع تجاه دمشق وكذلك تغيرات إقليمية. وقد قالت الإدارة الذاتية في بيان وزعته يوم 19 أبريل 2023: "نؤكد استعدادنا للقاء الحكومة السورية والحوار معها ومع جميع الأطراف السورية من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السورية"، وناشدت الدول العربية والأمم المتحدة وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري بأن يؤدوا دورًا إيجابيًا وفعَّالًا يسهم في البحث عن حلّ مشترك مع الحكومة السورية.
لكن على الجانب الآخر، تصف دمشق انتشار القوات الأمريكية في مناطق سيطرة المقاتلين الكرد بـ"الاحتلال"، وتدين تحالف الكرد مع واشنطن وتحمل عليهم "نزعتهم الانفصالية"، فيما ينفي المسئولون الكرد أي طموحات انفصالية! بل أكدت الإدارة الذاتية في بيانها على تمسُّكها بوحدة الأراضي السورية، مشددة على أهمية تأسيس نظام إداري سياسي ديمقراطي تعددي لامركزي يحفظ حقوق الجميع دون استثناء. وفي موقف لافت، طالبت بتوزيع الثروات والموارد الاقتصادية بشكل عادل بين المناطق السورية، بما فيها حقول النفط والغاز، التي يقع أبرزها في مناطق سيطرتها (بالمناسبة تلك المناطق منحها لهم الرئيس الأسد ليستوطنوها في وقت سابق)، وقالت: "نؤكد مرة أخرى على ضرورة مشاركة هذه الموارد من خلال الاتفاق مع الحكومة السورية عبر الحوار والتفاوض، شأنها شأن الموارد الموجودة في مناطق أخرى".
ويخشى الكرد من خسارة مكتسبات حققوها خلال سنوات النزاع الأولى، بعدما عانوا لعقود من سياسة تهميش، ويخشون كذلك من أي تقارب بين سوريا وتركيا، التي تعتبر الوحدات الكردية منظمة "إرهابية" وتعمل على إبعادها عن حدودها.
وفي مبادرة لتقديم حسن نيتها، أعلنت الإدارة الكردية عن نيتها محاكمة الآلاف من مقاتلي تنظيم "داعش" الأجانب المحتجزين لديها، وغالبيتهم ممن فرّوا من آخر المعاقل التي كانت في قبضة التنظيم الإرهابي في سوريا بين عامي 2017 و2019 ، فيما وجَّهَت الدعوة لحكومات ومنظمات حقوقية لمتابعة المحاكمات.
و قد صرَّح "بدران جيا كرد" رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية لـ "اندبندنت عربية" بمبادرة الإدارة من أجل حل الأزمة السورية، وبأنها منفتحة للتواصل مع الدول العربية لتأمين الاستقرار والأمن، وإعادة اللاجئين، ومكافحة المخدرات، وتوطيد علاقاتها مع الأوساط الرسمية والشعبية في عدد من الدول الأوربية من خلال زيارات ولقاءات مسؤوليها.
و قد أكد أن موقف الإدارة الذاتية الكردية من عمليات تطبيع علاقات الدول العربية والغربية مع النظام السوري يجب ألا يكون على حساب مصالح الشعب السوري، وإلَّا، فإن أي تطبيع بغرض خدمة مصالح ضيقة لبعض الدول سيؤدي إلى إعادة النظام إلى ما كان عليه في السابق، وتعميق الصراع، وزيادة الانقسام، واستفحال الأزمة في البلاد.
و قد توجه برسالة إلى الدول المطبعة مع النظام السوري قال فيها: "يجب أن تتواصل هذه الدول مع جميع مكونات الشعب السوري وخصوصًا الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا لتتمكن من خلق أجواء إيجابية لتطوير الحوار السوري-السوري وتوفير أرضية مناسبة لحل توافقي يضمن حقوق جميع السوريين"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أهمية دور الدول العربية في التعامل مع الأزمة السورية، إذ إن غياب هذا الدور أدى إلى ملء الفراغ من قبل دول إقليمية أخرى