الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط عام 2023.. الابتكار والحصاد
الثلاثاء 16/يناير/2024 - 08:35 م
فاطمة بدوي
طباعة
قال عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية وانغ يي قبل أيام في الندوة حول الأوضاع الدولية والدبلوماسية الصينية لعام 2023 إن العام المنصرم عام الابتكار والحصاد للدبلوماسية الصينية، حيث التزمت الدبلوماسية الصينية بالاتجاه الصحيح والطريق المبتكر وتقدمت إلى الأمام بشجاعة وعزيمة، وسجلت فصولا جديدة للتعاون والكسب المشترك مع العالم، وجسدت خصائص الصين وأسلوبها وموقفها المميز.
في عام 2023، حققت دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في الشرق الأوسط نتائج مثمرة، وتركت الكثير من اللحظات الرائعة، وضخت الثقة والقوة الدافعة لتحقيق السلام والمصالحة والوئام في المنطقة.
سجلت دبلوماسية القمة آيات جديدة، وأدارت الدفة نحو آفاق جديدة. في عام 2023، استقبل الرئيس شي جينبينغ القادة من إيران وفلسطين والجزائر وموريتانيا وسورية والكويت ومصر وغيرها من دول الشرق الأوسط في الصين على التوالي، للتشاور حول سبل التعاون ووضع التخطيط للعلاقات الثنائية. استرشادا بدبلوماسية القمة، تترسخ الثقة الاستراتيجية بين الصين ودول الشرق الأوسط باستمرار وتتطور العلاقات بين الجانبين تطورا شاملا وسريعا ومعمقا، الأمر الذي يظهر الملامح الجديدة للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط في العصر الجديد، ويدفع التقارب بين الجانبين، وفتح آفاقا واسعة لهذه العلاقات في المرحلة القادمة.
تضافر الجهود لإقامة مجتمع المستقبل المشترك والتقدم يدا بيد إلى مستقبل. طرح الرئيس شي جينبينغ مفهوم إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك لأول المرة في عام 2014، وفي عام 2022، اتفق الجانبان الصيني العربي بالإجماع على العمل سويا على إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد في القمة الصينية العربية الأولى. على هذه الخلفية، أقيمت الفعاليات المنتظمة في إطار منتدى التعاون الصيني العربي في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والطاقة والثقافة والتعليم والشباب في عام 2023، وتقدمت جهود إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك بخطوات حثيثة ومتزنة، وأظهرت حيوية نابضة وزخما جيدا.
تحقيق التنمية المشتركة من خلال التشاور والتعاون، والارتقاء بالتعاون العملي إلى مستوى جديد. في عام 2023، حضرت مصر والإمارات والسعودية وإيران وفلسطين والجزائر وتونس وغيرها من 20 دولة الشرق الأوسط الدورة الثالثة لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي بوفود رفيعة المستوى، ووقعت الصين وثائق التعاون بشأن بناء "الحزام والطريق" مع جميع الدول العربية، وحققت "التغطية الشاملة". كما تقدمت المشاريع النموذجية في إطار "الحزام والطريق" بخطوات ثابتة، مثل التجمع الصناعي الصيني السعودي في جازان، والمنطقة النموذجية للتعاون الصيني الإماراتي في مجال القوة الإنتاجية، والأبراج فائقة الارتفاع في مدينة العلمين الجديدة بمصر، والطريق السيار شرق – غرب بالجزائر، كما حقق التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط إنجازات مثمرة في مجالات الطاقة والمالية والاستثمار والفضاء، الأمر الذي ضغط على "زر التسريع" لأعمال بناء "الحزام والطريق" بجودة عالية في الشرق الأوسط.
انضمام دول الشرق الأوسط في مجموعة البريكس يزيد قوة التضامن والتعاون. في يوم 1 يناير عام 2024، أصبحت دول الشرق الأوسط الأربع، أي السعودية ومصر وإيران والإمارات، الأعضاء الرسمية لمجموعة البريكس، الأمر الذي زاد تمثيل البريكس وتأثيرها. وترحب الصين، التي دعمت ودفعت توسعة البريكس، بمشاركة دول الشرق الأوسط في البريكس، وتتطلع إلى تعزيز التعاون معها في إطار البريكس، وبذل جهود دؤوبة في تعزيز التعاون بين "الجنوب العالمي"، والحفاظ على المصالح المشتركة للدول النامية الغفيرة بشكل أفضل.
العمل على الوساطة عبر الحوار والتشاور، ووضع نموذج من خلال المصالحة السعودية الإيرانية. في مارس عام 2023، حققت السعودية وإيران المصالحة التاريخية بفضل جهود الصين الداعمة والدافعة، وقرر البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. وتعد هذه المصالحة انتصارا للحوار والسلام، ونصبت نموذجا يحتذى به للشرق الأوسط والعالم كله لتسوية الخلافات عبر الحوار والتشاور. وأثار تحسن العلاقات بين البلدين "موجة المصالحة" في الشرق الأوسط، حيث عادت سورية إلى جامعة الدول العربية، وتم تطبيع العلاقة بين مصر وتركيا، وبين قطر والبحرين والإمارات، وبين إيران والسودان. على هذه الخلفية، تتفق دول الشرق الأوسط بشكل متزايد على ضرورة حل القضايا الأمنية في المنطقة عبر التضامن والتعاون، وتتمكن شعوب الشرق الأوسط من الإمساك بمصير المنطقة في أيديها بشكل أوثق فأوثق.
الدعوة إلى إحلال السلام عبر التفاوض والمبادرة إلى تحمل المسؤولية الدولية. ظلت الصين تلتزم بموقف موضوعي وعادل من القضية الفلسطينية، وتدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. بعد التصعيد الأخير للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حضر الرئيس شي جينبينغ القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة البريكس بشأن القضية الفلسطينية، وألقى كلمة مهمة فيها، مؤكدا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار بين كافة أطراف الصراع، وضمان سلامة وانسياب ممرات الإغاثة الإنسانية، ويجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، حتى لا تؤثر سلبا على استقرار الشرق الأوسط. في هذا السياق، أجرى وانغ يي المباحثات مع وفد وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية في بيجينغ، وترأس الاجتماع الرفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي بشأن القضية الفلسطينية. كما تبقى الصين على التواصل والتنسيق الوثيقين مع الدول العربية والإسلامية، وتنتهز فرصة توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي للدفع بتحقيق الهدنة المؤقتة في غزة، كما عملت مع المجتمع الدولي على تقديم المساهمة الإيجابية في تحقيق وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية.
من الملائم ركوب الأمواج عند ارتفاعها، ومن المناسب رفع الشراع عند هبوب الرياح. كما قاله وانغ يي، ستلتزم الصين دوما بالثقة بالنفس والاعتماد على النفس، وتتحمل المسؤولية المطلوبة كدولة كبيرة ومسؤولة؛ ستلتزم دوما بالانفتاح والشمول لتوطيد وتوسيع شبكة الشراكة العالمية؛ ستلتزم دوما بالعدالة والإنصاف وتدعو إلى تعزيز التعددية العالمية القائمة على المساواة والانتظام؛ ستلتزم دوما بالتعاون والكسب المشترك وتعمل على دفع العولمة الاقتصادية القائمة على الشمول والمنفعة للجميع. وستدخل دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية مرحلة جديدة، بإمكانها تحقيق المزيد من الإنجازات، وكذلك الحال لدبلوماسية دولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في الشرق الأوسط. في المسيرة الجديدة للعصر الجديد، ستلتزم الصين بمبادئ الثقة بالنفس والاعتماد على النفس والانفتاح والشمول والعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك، وتبادر إلى تحمل المسؤولية الدولية، وتعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتتعاون معها لتحقيق التنمية والازدهار، وتدعمها لتحقيق التضامن والتقوية الذاتية، بما يدفع العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط لتتطور باستمرار، ويحشد الجهود في إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.