د.أحمد عبد الجواد يكتب .. تحليل نفسي لانتحار شاب
الأربعاء 19/فبراير/2025 - 03:17 م

الشاب المنتحر
- تثير حادثة انتحار الفرد المتديّن إشكالية فلسفية ونفسية حول مدى تأثير التدين في تحسين الصحة النفسية للفرد، ومدى قدرته على تشكيل حاجز وقائي ضد الاضطرابات العاطفية والانتحار.
- إن الافتراض القائل بأن التدين بمجرّده يشكّل ضمانة للتحصين النفسي يعكس تصورًا اختزاليًا للعلاقة بين الإيمان والذات الإنسانية، إذ إن المعاناة الوجودية والحالات الاكتئابية لا تخضع دائمًا لمحددات دينية بقدر ما تتأثر بعوامل نفسية واجتماعية معقدة.
- على المستوى الفينومينولوجي يُظهر الاغتراب النفسي والاجتماعي الذي يعانيه المكتئب أن التدين ليس مجرد منظومة معرفية أو أخلاقية، بل تجربة شعورية قد تتخذ أبعادًا متباينة بين الطمأنينة الروحية والقلق الوجودي.
- فالمتدين رغم امتلاكه لإطار عقدي يمنحه تفسيرًا للمعاناة، قد لا يمتلك الأدوات النفسية اللازمة لمواجهتها، مما يجعل الاستناد إلى التدين كحاجز مطلق ضد الانهيار النفسي أمرًا إشكاليًا.
- يعزز هذا الطرح ما ورد في النصوص الدينية من اعتراف ضمني بالمشاعر السلبية التي تعتري الإنسان في لحظات الضيق، كما في قول السيدة مريم -عليها السلام- {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا} وهو تعبير عن أقصى درجات المعاناة النفسية، لم يُقابل بوعظ مباشر أو بلوم إيماني، وإنما بوسائل دعم نفسية وجودية كما في خطاب السيد المسيح -عليه السلام- "ألا تحزني... فكلي واشربي وقري عينًا" مما يشير إلى أن مواجهة الألم الوجودي لا تتم من خلال الإنكار أو التذكير المجرد بالمعتقد، بل من خلال توفير شروط التخفيف النفسي والاحتضان الوجداني.
- إن هذه المقاربة تضعنا أمام استنتاج فلسفي مفاده أن التدين لا يلغي احتمالية الشعور بالاغتراب أو الانهيار النفسي، بل يظل مشروطًا بمدى قدرة الفرد على استيعاب معاناته داخل منظومة تتيح له تفريغ شحناته العاطفية بطرق صحية.
- ومن هنا فإن الخطاب الداعم للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية ينبغي أن يتجاوز التنظير العقدي المجرد إلى تبني استراتيجيات إنسانية أكثر عمقًا في احتواء أزماتهم الوجودية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. أحمد عبد الجواد حماد معيد بكلية التربية بجامعة الأزهر
- إن الافتراض القائل بأن التدين بمجرّده يشكّل ضمانة للتحصين النفسي يعكس تصورًا اختزاليًا للعلاقة بين الإيمان والذات الإنسانية، إذ إن المعاناة الوجودية والحالات الاكتئابية لا تخضع دائمًا لمحددات دينية بقدر ما تتأثر بعوامل نفسية واجتماعية معقدة.
- على المستوى الفينومينولوجي يُظهر الاغتراب النفسي والاجتماعي الذي يعانيه المكتئب أن التدين ليس مجرد منظومة معرفية أو أخلاقية، بل تجربة شعورية قد تتخذ أبعادًا متباينة بين الطمأنينة الروحية والقلق الوجودي.
- فالمتدين رغم امتلاكه لإطار عقدي يمنحه تفسيرًا للمعاناة، قد لا يمتلك الأدوات النفسية اللازمة لمواجهتها، مما يجعل الاستناد إلى التدين كحاجز مطلق ضد الانهيار النفسي أمرًا إشكاليًا.
- يعزز هذا الطرح ما ورد في النصوص الدينية من اعتراف ضمني بالمشاعر السلبية التي تعتري الإنسان في لحظات الضيق، كما في قول السيدة مريم -عليها السلام- {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا} وهو تعبير عن أقصى درجات المعاناة النفسية، لم يُقابل بوعظ مباشر أو بلوم إيماني، وإنما بوسائل دعم نفسية وجودية كما في خطاب السيد المسيح -عليه السلام- "ألا تحزني... فكلي واشربي وقري عينًا" مما يشير إلى أن مواجهة الألم الوجودي لا تتم من خلال الإنكار أو التذكير المجرد بالمعتقد، بل من خلال توفير شروط التخفيف النفسي والاحتضان الوجداني.
- إن هذه المقاربة تضعنا أمام استنتاج فلسفي مفاده أن التدين لا يلغي احتمالية الشعور بالاغتراب أو الانهيار النفسي، بل يظل مشروطًا بمدى قدرة الفرد على استيعاب معاناته داخل منظومة تتيح له تفريغ شحناته العاطفية بطرق صحية.
- ومن هنا فإن الخطاب الداعم للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية ينبغي أن يتجاوز التنظير العقدي المجرد إلى تبني استراتيجيات إنسانية أكثر عمقًا في احتواء أزماتهم الوجودية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. أحمد عبد الجواد حماد معيد بكلية التربية بجامعة الأزهر