مظهر شاهين يناشد وزارتي الاوقاف والسياحة بضرورة تنظيم الاشراف الدعوي في الحج
الخميس 05/يونيو/2025 - 04:45 م

هانيا رضوان
طباعة
بيان بشأن تنظيم الإشراف الدعوي على رحلات الحج والعمرة
مناشدة إلى شركات السياحة ووزارة الأوقاف
الحمدُ للهِ الذي شرّفَ عبادَهُ بزيارةِ بيتِه الحرام، وفضّل مواسمَ الطاعات، واختصّ بالحجِّ مَنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا، والصلاةُ والسلامُ على مَن قال: «خُذوا عنِّي مناسكَكم»، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
مع حلولِ كلِّ موسمِ حجٍّ أو عمرةٍ، يتجدَّدُ الحديثُ عن الإشرافِ الدعوي المصاحبِ للرحلات، والضوابطِ التي ينبغي أن تحكمَه، والجهاتِ التي يحقُّ لها تولِّي مهمةِ اختيارِ المشرفين، وذلك في ظلِّ ما رُصِد من مظاهرَ وممارساتٍ تستوجبُ التصويبَ والتنظيم.
ـــــــ
أولًا: إلى شركات السياحة المنظمة لرحلات الحج والعمرة
في الوقتِ الذي تسلكُ فيه وزاراتُ الدولة مسارًا منضبطًا في الإشرافِ الدعوي على بعثاتِها، وتتعاونُ فيه مع وزارةِ الأوقافِ لترشيحِ مشرفينَ معتمدينَ من الأئمةِ والدعاةِ المؤهلين، وعلى رأسِها وزارةُ الداخلية، فإن بعضَ شركاتِ السياحةِ الخاصةِ قد اتخذت مسلكًا مغايرًا يبعثُ على القلق.
لقد باتَ من المؤسفِ أن تُسندَ مهمةُ الإشرافِ الدعوي في بعضِ الرحلاتِ إلى أشخاصٍ اختيروا بناءً على “الشهرة” أو الجاذبيةِ الإعلامية، لا على أساسِ الفقهِ والعلمِ والاعتدال. بل إن بعضَ الشركاتِ تسوِّقُ لرحلاتها على أنها مع “فلان” أو “فلان”، وكأن الحجَّ مقبولٌ مع شخصٍ دون غيره، في تجاهلٍ مؤلمٍ لجلالِ المناسكِ وقدسيةِ الشعيرة.
وتحوّلت بعضُ الرحلات – مع الأسف – إلى وسيلةٍ للتربحِ والظهور، أكثر من كونها ميدانًا للعبادةِ والتوجيه، وبدأ المشهد وكأن نجوميةَ الشخصِ أهمُّ من قدسيةِ المكان، وكأن القبول مرهونٌ بمن يصحبُ الرحلة، لا بمن يقصدُ اللهَ بقلبٍ خاشع.
بل إنّ الأمر – في بعض الحالات – قد تحوّل إلى “سبوبة” أو “كعكة” يتقاسمها بعضُ القائمين على شركاتِ السياحة مع مَن يصحبونهم من الدعاة، في مشهدٍ يُنافي جلالَ الشعيرة، ويُفقد الإشرافَ الدعويَّ هيبتَه، ويُسيء إلى رمزيّة الإمام أو الداعية الذي ينبغي أن يكون قدوةً في الزهد والتجرُّد، لا طرفًا في منافعَ ماديةٍ أو ترتيباتٍ خفية.
وقد بلغ الأمرُ حدَّ أن اتّخذت بعضُ الشركات من “العمامة الأزهرية” صورًا لإعلاناتٍ تجاريةٍ تنقصُ من قيمتِها، وتُشوِّهُ رمزيتَها، وتُفرغُ مرجعيتَها من مضمونها.
إن هذا التوجّه يُقصي كثيرًا من أهلِ الفقه والدعوة، الذين لا يسعون وراء الأضواء، لكنهم مؤهّلون بحقٍّ لتوجيه الحجيج والقيام بالواجب الدعوي على أتمّ وجه.
وإن المطلوب من كل مشرفٍ دعوي يصحب الحجيج:
• أن يكون فقيهًا بمناسك الحج والعمرة، مدرّبًا على الإفتاء والتعليم.
• أن يكون مشهودًا له من جهة عمله بالكفاءة والاعتدال والوسطية.
• أن يُراعي التيسير والسماحة والرحمة التي جاء بها الإسلام.
• لا أن يكون صاحب شهرة أو وجاهة أو مصالح خاصة.
وعليه، فإننا نناشد شركات السياحة الخاصة أن:
• تلتزم بالمسار المؤسسي في اختيار المشرفين، عبر وزارة الأوقاف.
• تُعلي من مكانة الشعيرة، ولا تُفرِّط فيها بمنطق السوق أو التكرار.
• تتعاون مع الدولة في حماية قدسية المناسك، لا استغلالها تجاريًّا.
ـــــــ
ثانيًا: إلى وزارة الأوقاف المصرية
نثمِّن دورَ وزارة الأوقاف في إدارة الشأن الدعوي، ونقترح عليها أن تتبنى آلية عادلة وشفافة لترشيح المشرفين على رحلات الحج والعمرة، تضمن العدالة وتمنع الاحتكار، وذلك من خلال:
• فتح باب الترشح سنويًّا أمام جميع المؤهلين من الأئمة والدعاة.
• إجراء اختبارات ومقابلات علمية ومهارية نزيهة تحت إشراف لجان متخصصة.
• تحديث قوائم المشرفين كل عام، ومنع تكرار الأسماء إلا للضرورة القصوى.
• إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الإشراف أو أداء فريضة الحج من قبل.
• ضمان عدالة توزيع البدلات القانونية المقررة، وإغلاق أبواب المحاباة.
إن وزارة الأوقاف مسؤولة أخلاقيًّا ومهنيًّا عن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين أبنائها، ومنع احتكار الإشراف الدعوي لفئة محددة، وتدوير الفرص سنويًّا بين الكفاءات، حفظًا للعدالة، ورفعًا لمعنويات العاملين في الميدان الدعوي.
ـــــــ
ثالثًا: نحو إطار قانوني وتنظيمي ملزم
ولأن بعض الشركات لا تلتزم بهذا الإطار، فإننا نأمل أن يتم تفعيل هذا الملف تحت مظلة مجلس الوزراء، من خلال تعاون مباشر بين وزارتي الأوقاف والسياحة، لإصدار تنظيم رسمي ملزم، يتضمن:
• ألّا يُسمح بسفر أي مشرف ديني على أي رحلة حج أو عمرة إلا بعد اعتماد رسمي مكتوب من وزارة الأوقاف.
• أن تكون وزارة الأوقاف هي الجهة الوحيدة المختصة بترشيح المشرفين الدعويين المؤهلين.
• أن يُصدر قرار تنظيمي واضح يُعمم على جميع شركات السياحة الخاصة، وجميع الهيئات التي تنظم رحلات حج أو عمرة.
بل ونقترح – في سبيل ترسيخ هذا التنظيم – أن تتقدم وزارة الأوقاف ووزارة السياحة بمشروع قانون إلى مجلس النواب المصري، أو تعديل تشريعي، أو إضافة فقرة قانونية، تُدرج في القوانين المنظمة للحج والعمرة، تنص صراحة على أن:
“تُناط بوزارة الأوقاف دون غيرها مسؤولية إصدار التراخيص للمشرفين الدينيين على رحلات الحج والعمرة، بعد استيفاء الضوابط والإجراءات المقررة قانونًا، ولا يُعتدّ بأي إشراف ديني لم يحصل على اعتماد رسمي صادر عنها.”
إن هذا التشريع – حال صدوره – سيضمن توحيد المرجعية، ويمنع الفوضى، ويحمي قدسية الشعائر من أي استغلال أو اجتهاد غير منضبط.
ـــــــ
رابعًا: توضيح واجب
وحتى لا يُساء فهم هذه المناشدة أو يُظن أنها طلبٌ لموقع أو مصلحة، فإنني أُعلن صراحة أنني لا أرغب في الإشراف على أي رحلة حج أو عمرة حاليًا أو مستقبلًا، وأعتذر عن ذلك بشكل قاطع، وأن الدافع الوحيد وراء هذا البيان هو المصلحة العامة، والحرص على التنظيم الرشيد، ورفعة شأن الدعوة، وحماية الشعائر من العبث والتكرار.
قال تعالى:
﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَاحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨]
ـــــــ
الخاتمة
نسأل الله أن يُبارك في كل من يعمل بإخلاص لخدمة حُجّاج بيت الله الحرام، وأن يجعلنا جميعًا من أهل العدل والحق، وأن يُعلي مكانة الشعائر، ويُسدّد القائمين عليها، ويجعل هذا العمل في ميزان القبول والرضا.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
د. مظهر شاهين
إمام وخطيب مسجد عمر مكرم
القاهرة – ذو الحجة ١٤٤٦ هـ / يونيو ٢٠٢٥ م