جاءت الزيارة الرسمية التي قام بها دولة السيد لي تشيانغ، رئيس مجلس الدولة بجمهورية الصين الشعبية، إلى مصر يومي 9 و10 يوليو 2025، لتشكّل محطة مفصلية في مسار الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين البلدين. وتمثل هذه الزيارة، الأولى لرئيس الوزراء الصيني إلى مصر منذ توليه منصبه، انعكاسًا للثقة السياسية المتبادلة والرؤية المشتركة للتنمية، فضلًا عن عمق الصداقة التي تجمع بين اثنتين من أقدم الحضارات في العالم.

محادثات رفيعة المستوى ورؤية مشتركة

استقبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الصيني استقبالًا رسميًا في قصر الاتحادية، حيث جرت مباحثات معمقة تناولت العلاقات الثنائية، والتطورات الإقليمية، والتحديات العالمية. وجدد الجانبان التزامهما بتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أُطلقت عام 2014، مع التأكيد على احترام السيادة، وتحقيق المنفعة المتبادلة، والتنسيق في المحافل الدولية.

وأكد الرئيس السيسي تقدير مصر للدعم الصيني المتواصل، ودعا إلى مزيد من المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية مصر 2030. من جانبه، أشاد لي تشيانغ بالدور الجغرافي والسياسي المحوري لمصر كجسر يربط الصين بالعالم العربي وإفريقيا وأوروبا.

لقاء في جامعة الدول العربية

كما التقى رئيس الوزراء الصيني خلال زيارته بالأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط، في مقر الأمانة العامة بالقاهرة. وأكد الاجتماع دعم الصين الثابت للقضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية، والتزامها بتعزيز التعاون العربي الصيني في مجالات التجارة والطاقة والبنية التحتية والابتكار الرقمي. وأعرب لي تشيانغ عن استعداد بلاده للعمل مع الدول العربية لتعزيز السلام والتنمية في المنطقة، في إطار التحضير للقمة القادمة لمنتدى التعاون العربي الصيني.

اتفاقيات هامة تم توقيعها

شهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الهامة التي ترسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون في قطاعات ذات أولوية:

   •   التعاون الاقتصادي والاستثماري: توقيع اتفاقيات لتوسيع الاستثمارات الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وتطوير مناطق صناعية مشتركة، مع التركيز على البنية التحتية والطاقة الخضراء والصناعات المتقدمة.

   •   التعاون المالي: الاتفاق على تعزيز التنسيق المالي، ودراسة آليات التسوية بالعملات المحلية، وتوسيع التعاون المصرفي لدعم التجارة المستقرة والمتنوعة.

   •   التكنولوجيا والابتكار: وضع أطر جديدة للتعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الصناعية المتقدمة.

   •   الصحة والدواء: توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات الصناعات الدوائية، والبحث الطبي، والابتكار في الرعاية الصحية، استنادًا إلى خبرات البلدين في مواجهة جائحة كوفيد-19.

   •   التعليم والتبادل الثقافي: التوصل إلى اتفاقيات لتوسيع الشراكات بين الجامعات، وزيادة عدد المنح الدراسية، وتعزيز تعليم اللغة الصينية والدراسات الثقافية في مصر.

   •   السياحة والطيران المدني: الاتفاق على تعزيز الربط الجوي وترويج السياحة، بما في ذلك خطط لتسيير رحلات مباشرة وحملات ترويجية مشتركة.

التحضير للاحتفال بمرور 70 عامًا على العلاقات الدبلوماسية

مهّدت الزيارة أيضًا لانطلاق التحضيرات للاحتفال بالذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين عام 2026. وكانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1956، في خطوة جسدت رؤية سياسية ثاقبة وشجاعة. وأكد الجانبان عزمهما إحياء هذه الذكرى من خلال سلسلة من الفعاليات الدبلوماسية والثقافية والأكاديمية طوال عام 2026، احتفاءً بمسيرة من الثقة والصداقة والتنمية المشتركة.

انخراط دبلوماسي أوسع

إلى جانب لقائه مع الرئيس السيسي، أجرى رئيس الوزراء الصيني مباحثات مع دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، كما شارك في منتدى الأعمال المصري الصيني، بحضور كبار المستثمرين والشركات من الجانبين. وقد سلط المنتدى الضوء على مصر كمقصد استثماري استراتيجي، وأعاد تأكيد اهتمام الصين بالتعاون طويل الأمد.

كما أصدر الجانبان بيانًا مشتركًا عبّرا فيه عن مواقفهما المشتركة بشأن القضايا الدولية الكبرى، بما في ذلك دعم القضية الفلسطينية، وأهمية الحلول السلمية للنزاعات، والتزامهما بنظام عالمي متعدد الأقطاب يستند إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

زيارة ذات عمق استراتيجي

رغم قصر مدتها، كانت زيارة رئيس الوزراء الصيني ثرية بالنتائج والدلالات. فقد عكست نضج العلاقات الثنائية والتقارب المتزايد بين أجندتي التنمية المصرية والصينية. وتشير الوثائق الاستراتيجية التي تم توقيعها والزخم الدبلوماسي المتجدد إلى مستقبل من التعاون الأعمق في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

نحو المستقبل

أكدت هذه الزيارة الناجحة التزام مصر والصين ببناء نموذج رائد للتعاون بين بلدان الجنوب، قائم على الاحترام المتبادل والتضامن والتنمية المشتركة. ومع تقدم البلدين بثقة نحو المستقبل، من المتوقع أن تتحول مخرجات هذه الزيارة إلى مشروعات ملموسة، ومؤسسات أقوى، وصلات أوثق بين الشعوب.

كما عبّر أحد المسؤولين المصريين بقوله: “هذه الزيارة لم تكن تاريخية فحسب، بل كانت مثمرة، تتطلع إلى المستقبل، وتحمل وعودًا كبيرة”.