شعور فطري غريزي يعم الكائنات الحية ويستوي فيه الإنسان والحيوان؛ فكما أن الإنسان يحب وطنه ويألف العيش فيه ويحن إليه متى بعد عنه، فإن الحيوانات هي أيضا تألف أماكن عيشها ومقارها ومهما هاجرت عن أوطانها ما تلبث أن تعود مشتاقة إليها.
ولأن حب الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه، فإنه ليس من الضروري أن يكون الوطن جنة مفعمة بالجمال الطبيعي تتشابك فيها الأشجار، وتمتد على أرضها المساحات الخضراء وتتفجر في جنباتها ينابيع الماء، كي يحبه أبناؤه ويتشبثوا به، فقد يكون الوطن جافا.. جرداء أرضه قاسيا مناخه، تلهب أديمه أشعة الشمس الحارقة، وتزكم الأنوف هبات غباره المتصاعدة وتحرق الوجوه لفحات هجيره المتقدة، وقد تكون أرضه عرضة للزلازل وتفجر البراكين، أو تكون ميدانا للأعاصير والفيضانات، أو غير ذلك من السمات الطبوغرافية والمناخية التي ينفر منها الناس عادة.
لكن، الوطن رغم كل هذا يظل في عيون أبنائه حبيباً وعزيزاً وغالياً،مهما قسا ومهما ساء.. ومن الأمثال القديمة قولهم:«لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء». ولكن هل الوطن يعرف حقيقة حب أبنائه له؟ هل الوطن يعرف حقا انه حبيب وعزيز وغال على أهله؟. إن الحب لأي أحد أو أي شيء لا يكفي فيه أن يكون مكنونا داخل الصدر، ولابد من الإفصاح عنه، ليس بالعبارات وحدها وإنما بالفعل وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحب المكنون له.
والوطن لا يختلف في هذا. الوطن يحتاج إلى سلوك عملي من أبنائه يبرهن له على حبهم له وتشبثهم به. وإذا كان حب الوطن فطرة فإن التعبير عنه اكتساب وتعلم ومهارة؛ فهل قدمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمي عندهم القدرة على الإفصاح عمليا عن حبهم لوطنهم؟ هل علمناهم أن حب الوطن يقتضي أن يبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحهم الخاصة؟ فلا يترددوا في التبرع بشيء من مالهم من أجل مشروع يخدم مصلحته، أو يسهموا بشيء من وقتهم أو جهدهم من إجل انجاز مشروع ينتفع به.
هل علمناهم- أى أولادنا؟ أن حب الوطن يعني إجبار النفس على الالتزام بأنظمته حتى وإن سنحت فرص للإفلات منها
والالتزام بالمحافظة على بيئته ومنشآته العامة حتى وإن رافق ذلك مشقة؟