يطل من نافذته على العالم الخارجي، يواجه الموت بمفرده، في حجرة صغيرة جمع بداخلها كل مستلزمات حياته، قابعًا على أريكته المتهالكة واضعًا بمتناول يده كل المتطلبات التي يحتاجها الإنسان ليحيا.

محمد حسن الطحان، رجل ستيني، يعيش بمفرده في حجرة من أصل منزل من طابقين، جدرانها مشققة، ونافذتها متهالكة، تركته زوجته وأطفاله الذين لم يتخطى عمرهم العشر سنوات، وحيدًا بسبب خوفهم الشديد من انهيار منزلهم بعد أن سقط الدور الأول من المنزل، ليواجه الموت في كل لحظة يحياها بداخل منزله.

بدأت مأساة "الطحان" في سبتمبر الماضي، عندما تعرض منزله المكون من طابقين في حارة "عبد الله سالم" بمنطقة الدرب الجديد بحي السيدة زينب للانهيار، حيث انهار جزء كبير من الدور الثاني، وحينها توجه لقسم السيدة الذي بدوره قام بإرسال أمين شرطة للمعاينة وانتهى الأمر بمجرد رحيله، حسب حديثه.

قال الطحان: "أستمر الوضع كذلك حتى شهر نوفمبر 2016، عندما انهار جزء آخر من الدور الثاني وغلق الباب على شقتنا في الدور الأول ونحن بداخله ولم نستطع الخروج حتى جاءت قوات الإنقاذ وقامت بإخراجنا من المنزل، وكل ذلك لم يأتي إلينا أي مسئول من حي السيدة زينب".

وعن الإجراءات التي اتخذها بعد خروجه وعائلته من منزله، فقال في حديثه لـ"المواطن": "مكناش لاقيين بيت نقعد فيه، فبعد ما أنفذونا بيوم ذهبت لحي السيدة زينب لمقابلة رئيس الحي، ووعدني إنه بعدها بيومين يسلمني شقة استضافة في 6 أكتوبر لحين ما يوفر الحي سكن".

وأكد "الطحان" أنه بعد الوعد بدأت مماطلات المسئولين في تسليمه شقة الاستضافة، حيث أرسله رئيس الحي لمدير الإسكان لحي السيدة زينب لتسليمه الشقة فرد عليه قائلًا حسب حديثه: "هو أنا حاطط الشقق في الدرج"، وبعدها أرسله لموظف الذي قام بدوره بطلب الأوراق تثبت أن "الطحان" مقيم في منزله.

وأضاف: "بعد أن جهزت الأوراق المطلوبة وجاء يوم التسليم، رفضوا تسليمي بحجة أن رئيس الحي طلب لجنة ثلاثية من المحافظة للمعاينة، ولكن اللجنة لم تأتي بعد والسبب حسب تصريحات مسئولي الحي أن اللجنة لن تأتي للمعاينة إلا بعد سداد الحي لها مستحقاتها".

وأشار عم محمد، أن منزله على أرض تابعة لوزارة الأوقاف، موضحًا أنه قدم أوراق للوزارة بأن يقوموا بنقل ملكية الأرض كإيجار لي، حتى أقوم بتنكيس المنزل، قائلًا: "أنا الآن منتظر قرار وزارة الأوقاف أو معاينة لجنة رئاسة الحي لتنكيس المنزل أو لنقلي أنا وأولادي لمنزل آخر لأضمن سلامتي وسلامة عائلتي".

واستكمالًا لمأساة "الطحان"، أشار إلى أنه يعيش حاليًا بمنزله وحيدًا بدون عائلته، التي تركته من خوفهم من انهيار المنزل عليهم، فقال: "زوجتي وبنتي يارا 8 سنين، وأحمد عشر سنين، سبوني وعايشين في بيت بنتي الكبيرة المتزوجة، وسبوني لوحدي عايش في الأوضة دي جنب الشباك، باقي البيت مكسر، وسريري جنب الشباك علشان لو البيت وقع ألحق أجري".

وعن سبب بقائه وحيدًا، قال محمد الطحان: "مش هينفع أعيش مع بنتي وجوزها يصرف عليا، أنا نفسي عزيزه ومش هقدر، وكل اللي عاوزة الحي يشوف شغله وينقذنا من الموت اللي بيجري ورانا وهيخلص علينا واحد واحد في السيدة زينب".