"فيليب أغسطس".. الداهية الذي خدع ريتشارد قلب الأسد واستولى على ممتلكاته
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 12:31 م
مريم مرتضى
طباعة
كانت فرنسا قبل عام 1180م، دولة صغيرة تكتنفها الصعاب، ولا يرى أي أحد مستقبل لها، وكانت مقسمة إلى مقاطعات، وكان هذا الحشد المفكك، خاضعًا لملك فرنسا خضوعًا متفاوت الدرجات، مُقيدًا بقيود كثيرة، وكانت باريس في عام 1180م مدينة ذات مبان من الخشب، وشوارع كثيرة الأوحال، وكان اسمها الروماني "بلدة الوحل"، ولكن بعد تولي " فيليب أغسطس " الحكم اشمأزت نفسه من الروائح الكريهة المنبعثة من الشوارع المارة بجوار نهر السين، فأمر أن ترصف شوارع باريس كلها بالحجارة.
ولد الملك فيليب أغسطس بفرنسا عام 1165م، وكان والده هو الملك لويس السابع ملك فرنسا، كان من ضمن أخوات فيليب الملكة مارجريت ملكة المجر، والأميرة أليس كونتيسة فيكسن، وكانتا أختان غير شقيقتان له، ولكن كان من المعروف أنه شقيق الإمبراطورة أجنيس إمبراطورة الدولة البيزنطية.
أصيب والده بوعكة صحية وإضطر إلى تتويج إبنه فيليب على عرش فرنسا عام 1179م، وهو مازال في الرابعة عشر من عمره، وزوجه من إيزابيل كونتيسة هينو في 28 أبريل 1180م، وأعطاها كونتية آرتوا كمهر لها، وتوفي الملك لويس السابع في 18 سبتمبر 1180م، وبذلك أصبح فيليب الثاني ملكًا رسميًا لفرنسا.
تنصيب فيليب أغسطس
كان " فليب الثاني أغسطس " رجلًا ذكيًا نبيل العواطف، كان يُناصر العلوم ولكنه لا يتذوقها، يجمع بين الحذر والدهاء وبين الشجاعة والحزم، حاد الطباع سريع المغفرة، لا يتردد في أن يسلك أي سبيل يؤدي به إلى التملك، وبهذا كان هو الرجل المثالي الذي تحتاجه بلاده في وقت أحاطت بها إنجلترا أيام هنري الثاني وألمانيا في عهد بربروسه، ولعل الأقدار قد ساقته إلى فرنسا في هذا الوقت العصيب، ولولاه لكان من الجائز ألا يبقى لها وجود، حيث قام فيليب بفتح نورمندية واستردها من إنجلترا 1204م، وضم في السنتين التاليتين بريطانيا، وأنجو، ومين، وتورين، وبواتو، إلى أملاكه وأصبح له وقتئذ من القوة ما يستطيع به أن يسيطر به على الجميع في أنحاء مملكته التي صارت قوة دولية كبرى، ولم تعد رُقعة من الأرض ممتدة على ضفتي نهر السين، ولم يسكت جون ملك إنجلترا على ما أصابه من ضياع ملكه، فأقنع أتو الرابع إمبراطور ألمانيا، وكونتي بولوني وفلاندرز أن ينضما إليه في الوقوف في وجه هذا التوسع الفرنسي، وحضر فيليب قوته لملاقاة هذه الهجمات المتفرقة، وسار بجيشه الرئيسي لقتال حلفاء جون، وهزمه عند بوفين، بالقرب من ليل، وأسفرت هذه المعركة عن خلع أوتو، وتولى فردريك الثاني عرش ألمانيا، وقضت زعامة ألمانيا للقارة الأوربية، وعجلت اضمحلال الدولة الرومانية الشرقية، وأخضعت كونت فلاندرز وخلفاؤه لطاعة ملوك فرنسا، وضمت أمين، ودويه، وليل، وسان كنتن إلى أملاك التاج الفرنسي، ووسعت رُقعة فرنسا الشمالية الشرقية بالفعل حتى وصلت إلى نهر الرين، وتركت جون عديم القوة، وأرغمته على توقيع العهد الأعظم، وأضعفت الملكية وقوت الإقطاع في إنجلترا وألمانيا، على حين أنها قوت الملكية وأضعفت الإقطاع في فرنسا، ويسرت قيام حكومات المدن المحلية والطبقات الوسطى التي عاونت فيليب أعظم معاونة في السلم والحرب، وقد قام فيليب بمضاعفة أملاكه ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل أن يحكمها، وقام باستبدال رجال الدين في مجلسه وفي الوظائف الإدارية برجال من طبقة المحامين الناشئة، ومنح كثيرًا من المدن عهودًا بالحكم الذاتي، وشجع التجارة ومنح التجار العديد من الإمتيازات، وملأ خزائنه بالمال بأن استبدل بالخدمات الإقطاعية إتاوت نقدية، وزاد إيراد الملك من 600 جنيه فرنسي إلى 1200، وتمت في أيامه واجهة كنيسة نوتردام، وبنى اللوفر ليكون حصنًا يحرس نهر السين، ولم يمت فيليب حتى كانت فرنسا هذه الأيام قد ولدت.
ماتت إيزابيلا زوجته الأولى في عام 1189م، وبعد أربع سنين من وفاتها تزوج " انجبورج " الأميرة الدنماركية، وكان زواجه منها سياسيًا أيضًا فيه من التملك أكثر مما فيه من الغرام، ولم ترق إنجبورج في عين فيليب، فهجرها بعد يوم واحد، ولم يمض على زواجه بها أكثر من عام حتى أقنع مجلسًا من الأساقفة الفرنسيين أن يُجيزوا له طلاقها، ولكن البابا " سلستين الثالث " لم يوافق على هذا القرار، فتحداه فيليب وتزوج في عام 1195م بـ " أني الميزانية " فأعلن البابا " سلستين " حرمانية ذلك الزواج، ولكن فيليب ظل على عناده وقال له :" خير لي أن أفقد نصف أملاكي من أن أفارق أني"، وحاول سلستين الثالث نصحه كثيرًا، ولما يأس قام بتحريم جميع الخدمات الدينية في أملاك فيليب، الذي ثارت ثائرته وقام بخلع جميع الأساقفة الذين أطاعوا أمر الحرمان، وقال في حسرة: "ما أسعد صلاح الدين الذي ليس له من فوقه البابا"، وهدد بأن يعتنق الإسلام، وواصل حربه الدينية أربع سنين بدأ الشعب بعدها يتذمر خوفًا، فطرد فيليب محبوبته أني في عام 1202م، ولكنه أبقى " إنجبورج " محبوسة في إيتامب حتى عام 1213م.
زوجة فيليب الثاني
شارك الملك فيليب أغسطس في الحملات الصليبية الموجهة لبيت المقدس والشام كأحد قوادها وكشريك أساسي للملك ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا و فريدريك بارباروسا ملك ألمانيا وإمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، ولكن لم تطل إقامته في بلاد الشام فقد اعتذر لسوء حالته الصحية، وعاد إلى فرنسا سنة 1191م، ولكن السبب الأساسي لعودته كان وفاة والد زوجته كونت فلاندرز، ورغبته في الحصول على نصيبها من هذا الإقليم بعد وفاة والدها، إلى جانب رغبته في الاستفادة من غياب ريتشارد ملك إنجلترا عن بلاده للسيطرة على مقاطعة النورماندي.