أمة بلا أبناء: حرب بوتين على شعبه
الخميس 24/يوليو/2025 - 06:37 م

فاطمة بدوي
طباعة
أشارت تقارير إعلام عالمية من خلال رصدها لاهم الاحداث على الساحة الأوكرانية والروسية انه
بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، تتضح حقيقة قاسية: عدد الجنود الروس الذين قُتلوا في الحرب يتزايد بوتيرة أسرع مما تستطيع الدولة دفنه. مؤخرًا، تجاوز عدد الخسائر الروسية مليون جندي.
ما وصفه الكرملين سابقًا بأنه "عملية عسكرية خاصة" سريعة ومحدودة، انهار إلى حرب استنزاف. ومع مرور كل شهر، يتضح أكثر فأكثر أن موسكو مستعدة للتضحية بشعبها بدلًا من قبول حقيقة الفشل
في بلدات نائية في أنحاء روسيا، أُرسل شباب - كثير منهم فقراء وعاطلون عن العمل أو غارقون في الديون - إلى جبهات القتال بوعودٍ بأموالٍ سريعة، وأجهزة إلكترونية، أو بفرصةٍ لمستقبلٍ أفضل. قيل لهم إنهم يقاتلون من أجل وطنهم. لكن بدلاً من ذلك، عاد كثيرون إلى ديارهم في أكياسٍ سوداء - أو لم يعودوا أصلاً. يرقد آخرون في قبورٍ مجهولة، مدفونين بهدوء، بعيداً عن عناوين الأخبار.
لم تعد هذه الحرب مجرد حربٍ على الأرض أو حلف الناتو أو التاريخ. لقد أصبحت شيئاً أكثر إثارةً للقلق: حربٌ لا تُشنّ ضد أوكرانيا فحسب، بل ضد شعب روسيا نفسه. إنها تُخاض من أجل سلطة رجلٍ واحد، وكبريائه، ورؤيته للإمبراطورية - وتُقاس تكلفتها بالدماء الروسية.
خلف الخطابات والاستعراضات الوطنية، تلوح صورة أكثر قتامة. هذه ليست حربًا للدفاع عن الوطن، بل كارثة بطيئة، يُنسى فيها الموتى، ويُكتم الحزن، وتُستنزف البلاد - ببطء وعمد - من أجل بقاء نظام لا يعترف بالضعف.
حرب شخصية بتكلفة وطنية
بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، هذا ليس مجرد صراع، بل مهمة شخصية. حرب لاستعادة صورة روسيا التي لم تكن موجودة قط. وقد استعانت هذه المهمة بالفعل بأكثر من مليون جندي روسي، كثير منهم مجندون بتدريب محدود ودون فهم لما أُرسلوا من أجله.
هؤلاء الرجال ليسوا شهداء. ليسوا أبطالاً وطنيين. إنهم ضحايا نظامٍ يعتبرهم أدواتٍ للدعاية ورموزاً للولاء.
تشير الاستخبارات الغربية إلى أنه مقابل كل جندي أوكراني يُقتل، يُقتل خمسة إلى سبعة جنود روس. وفي إشارةٍ إلى اليأس، يُرسل المسؤولون الآن كل من يجدونه للقتال: السجناء، وكبار السن، والمرضى، ومن لا يملكون القدرة على الرفض. يُجبر بعضهم على القتال؛ ويُعاقب آخرون أو حتى يُعدمون لمحاولتهم الفرار. تُظهر الأدلة الموثقة أن الفارين يُطلق عليهم النار، ويُترك الجرحى، ويُقتل بعضهم على يد ضباطهم للحفاظ على الانضباط.
هذه ليست حملة عسكرية، بل آلة تسحق شعبها.
لا مجد، لا قضية
بالنسبة لمعظم الجنود الروس، لا غاية واضحة في هذه الحرب. إنهم لا يدافعون عن ديارهم أو مُثُلهم. يُزج بهم في القتال بتجهيزات غير كافية، وقليلي الاستعداد، وفي كثير من الأحيان غير راغبين. لا مجد. لا مقاومة. فقط البقاء - إن حالفهم الحظ
ومع ذلك، في روسيا، قليلون هم من يجرؤون على الكلام. خوف انتقاد الحرب أشد من خوف فقدان ابن آخر.
أمة تُعلّم الصمت
في جميع أنحاء البلاد، تُشيّع الجنازات في صمت. لا حداد شعبي. لا تغطية إعلامية. تُحذّر العائلات من كثرة الأسئلة. يُفرض رقابة على الصحفيين. يُسجن النشطاء.
ما يحدث في روسيا اليوم ليس مجرد فشل عسكري، بل انهيار أمة، حيث تُخشى الحقيقة، والصمت سبيل للبقاء.
لقد رحل مليون روسي بالفعل.
ليس من أجل الوطن.
ليس من أجل العدالة.
بل من أجل حماية نظام يخشى الحقيقة أكثر من خوفه من الحرب.
ولكن كم من الناس يجب أن يموتوا قبل أن ينتهي الصمت؟
لأن الصمت لا يحمي الأبرياء.
بل يدفنهم أعمق.