" شجرالدر " امرأة هزمت الصليبين..وقتلتها غيرة النساء
السبت 30/يونيو/2018 - 07:14 م
مريم مرتضى
طباعة
كانت جارية من جواري الملك الصالح نجم الدين أيوب، اختلف المؤرخون في تحديد جنسيتها، فمنهم من قال إنها تركية ومنهم قال إنها جركسية، أو رومانية، و لم تكن " شجر الدر " أبدًا كباقي الجاريات، بل تميزت بالذكاء الحاد ، والفطنة، إذ كانت متعلمة، تجيد القراءة، والخط ، والغناء، فخطفت قلب "نجم الدين" سريعًا وفتنته بجمالها وجاذبيتها حتى ترك زوجته الأولى أم ولده "غياث الدين توران شاه" لكي يتزوجها وأصبحت مالكة قلبه الوحيدة وصاحبة الرأي الاول، أنجبت له طفل أسماه "خليل".
شجرالدر
موقفها ضد الصليبين
وقت وفاة الملك نجم الدين كانت القوات الصليبية تزحف متجهة إلى الجنوب على شاطئ النيل الشرقي لفرع دمياط؛ فقد أراد الصليبيون الإجهاز على القوات المصرية الرابضة في المنصورة، وكانت إذاعة خبر موت السلطان في هذا الوقت الحرج كفيلة بأن تؤثر في سير المعركة وتضعف للجند معنوياتهم، وقفت شجرة الدر وقفت موقفًا عظيماً، برز فيه ذكائها الشديد وحنكتها في إدارة أمور الدولة حيث تخلت عن حزنها ومشاعرها وقامت باستدعاء قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف برفقة رئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن وتوصلت بعد الاجتماع بهم إلى اتفاقية كتمان نبأ وفاة السلطان الصالح أيوب حتى تتمكنّ الدولة المصرية من تخطي وتجاوز المحنة الملمّة بها وحتى لا يؤدي نبأ وفاة السلطان من إحباط العسكر وتهبيط معنوياتهم، وأمرت أن تحمل جثته سرًا في سفينة إلى قلعة الروضة الموجودة بالقاهرة، وأمرت الأطباء أن يقوموا كل يوم بالدخول إلى حجرة السلطان كعادتهم، وكانت تُدخل الطعام والأدوية إلى غرفته موهمة الجميع أنه حي، واستمرت الأوراق الرسمية تخرج كل يوم وعليها علامة السلطان.
إلا أنّ الأخبار قد تسرّبت إلى الصليبيين حول وفاة السلطان الأمر الذي شجّعهم على توجيه أنظارهم إلى القاهرة للسيطرة عليها، فهاجمت قوات الصليبيين بقيادة روبرت دارتوا الجيش المصريّ في معسكره بعد أن اجتازوا قناة أشموم عن طريق مخاضة سلكوها كان قد دلّهم عليها أحد قوّاد العربات، وكان ذلك على بعد حوالي ثلاث كيلو مترات من منطقة المنصورة.
أدت هذه الاشتباكات إلى مقتل الأمير فخر الدين يوسف أثناء خروجه من الحمام مسرعاً إثر صوت ضجيج وصراخ، ما أدّى إلى هروب العسكر الذين فوجئوا بالهجوم غير المتوقّع وانصرفوا إلى المنصورة، وفي هذه الأثناء تلّقت شجرة الدر من الأمير ركن الدين بيبرس خطة كان قد وضعها، حيث يسمح للصليبيين بالدخول إلى المنصورة وهناك ستكون المصيدة لهم ومهلكهم، وبالفعل تمّ تنفيذ الخطة ووقع الصليبيون في الفخ وبعد أن داهمتهم قوات المماليك البحرية والبرية التي خرجت فجأة وهاجموهم بالسيوف والسهام، وتمّ دحر العدو الصليبي.
بعد أشهر من حكمها لمصر لقيت معارضة من علماء المسلمين، وعلى رأسهم العز بن عبدالسلام، الذي رأى في حكمها كامرأة مخالفة للشرع، وثار الأيوبيون لمقتل توران شاه ابن الملك الصالح، ورفض الخليفة العباسي المستعصم حكم امرأة وأرسل يقول: «إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلًا»،وبدأت المظاهرات تجوب البلاد والهتافات وغيرها، علماً بأنّها لم تكن المرأة الأولى التي تتولى مقاليد الحكم في بلادها، وبالرغم من حنكتها في الحكم إلا أنّه تمّ عزلها عن الحكم، فتنازلت عن العرش لعز الدين أيبك وتزوجته وأطلق عليه لقب الملك المعز، وقبل أن يعقد عليها اشترطت على أن يطلق زوجته ويتخلى عن ولده المنصور علي، حتى لا ينتقل العرش إلى أبنه، لكنها كانت تحكم من خلف ستار ودعمته في التخلص من «أقطاي».
وفاتها
بلغها أن زوجها يريد خطبة ابنة الملك بدر الدين لؤلؤ، صاحب الموصل، فساءت العلاقات بين شجرة الدر وبين الرجل الذي وثقت به، وجعلته ملكاً، وكادت تفقد عقلها من شدة الحقد والغيرة، وعلمت أيضاً انه ينوي، إنزالها من قصر القلعة إلى دار الوزارة في القاهرة، وذلك ليتفادى الجدل والخصام معها، وحتى يتم تهيئة القلعة، لاستقبال العروس الضرة، غضبت شجرة الدر غضباً شديدا ، لما فيه من جرح لمشاعرها وكبريائها، وخاصة بعد تأكدها من عزيمته في التخلص منها، فكان لابد من التخلص منه فدعته ذات يوم واستقبلته بصدرٍ رحب وبشاشة وكأن شيئاً لم يحدث بينهما، حتى شعر بالطمأنينة ودخل الحمام، وأنقض عليه خمسة من غلمانها الأقوياء وضربوه إلى أن مات، ثم أشاعت بأن الملك المعز توفي فجأة ولكن لم يصدق الناس هذا النبأ.
حاولت شجرة الدر أن يجلس أحد الأمراء المماليك على العرش لكي تحتمي بهِ، إلا أن محاولاتها بائت بالفشل، والتجأت إلى البرج الأحمر في القلعة عام 1257م، ولكنها لم تنجُ بفعلتها، حيث تم القبض عليها من قبل الأمراء المناصرين لزوجها القتيل، وفرض عليها السجن المنفرد، ولاقت فيه ألواناً مختلفة من العذاب والهوان، ومن ثم تدخلت ضرتها أم علي وهي زوجة الملك المعز الأولى، وحرضت ابنها علي على قتلها انتقاماً لأبيه، وهناك مراجع أخرى تقول بأنه، تم قتلها على يد الجواري اللاتي واصلن ضربها بالقباقيب إلى أن فارقت الحياة في ٣ مايو ١٢٥٧، وألقوا بها من فوق سور القلعة ولم تدفن إلا بعد أيام.
وهكذا عاشت شجرة الدر، مكرمه وجليلة، ذات نفوذٍ وقوة، ولكنها ماتت ميتةٍ ذليلة ومهينه، إن سيرة شجرة الدر، مازالت تروى، وهناك العديد من النساء من تتمنى أن تقوم بشخصية شجرة الدر، وذلك لقوة نفوذها، وذكائها ودهائها ، وقدرتها العجيبة في الحكم. وقد خلد التاريخ ذكراها ، وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر، إلا أن غيرتها على كبريائها وكرامتها، كانت السبب الذي دفعها لارتكاب تلك الجريمة، التي أسقطتها من قمة الشهرة وقضت عليها.