حكايات مصر الحلوة الشقيانة .. بائع الجرائد زبونه في القراءة وعربة الكارو بهجة للطفل
الجمعة 05/أكتوبر/2018 - 04:39 م
شيماء اليوسف - تصوير : محمد توفيق
طباعة
حكايات مصر الحلوة الشقيانة تتلخص كلها في الناس، إن كانوا عابرين على أقدامهم أو يستقلون مركبة صغيرة، فملامحهم تبدو أنيقة وصافية حتى إن كانت تحكي آلام على عجالة من الحزن، قوامهم دائما ممشوق بالعمل والنشاط، الشارع يستضيفهم فيتبادلون الضحك والحكايات والسمر والسهاد، الشارع بالنسبة لهم البيت الذي لا يقفل لهم الأبواب، وترصد " بوابة المواطن" لقطات حية من الشارع المصري.
حكايات مصر الحلوة الشقيانة في لقطة
عاملة مصرية
في الشارع الفسيح تطل من هناك قادمة تسوق بيديها لقمة عيشها، وتغطى رأسها بعناية مشدودة برحالها، تركت بيتها من عتمة الفجر تجري وراء مصيرها الذي لم تختره بيدها لكن قدر له أن تسوق زمامه كما تسوق مركبتها، لا يشغلها أخر صيحات الموضة، لأنها قطعا تقتصر ثيابها الجديد على مناسبة العيد، التي قد تنسى عندها نفسها تماما وتختار أن يكون البديل ثياب طفلها، حينها سترى عيدها منقوش على جبين طفلها،غير أنها قد لا ترى المحال التجارية الخاصة بالنساء إلا في الطرقات ولم تفكر في دخولها مطلقا.
إن كان الرجل بحر فإن المرأة جسر
مصرية مسنة
العجوز الباسمة حتى إن كانت هزيلة فهي بشوشة للغاية، أو كما يقول اللبنانيون " شو مهضومة " فهي نقية بحجم النقاء الذي يتدلى من عينيها، تعقد رأسها بقطعة من القماش الزهيدة، وكأن العقدة تجمع داخلها سنوات عمرها التي هربت سريعا، وتركت الشيخوخة تأكل جسدها الضعيف، لكنها بالطبع تجلس على الحجر الثابت الصامت مثل الملكات على عروشهم، وهي بالفعل تجسد أحرف هذه الجملة " حكايات مصر الحلوة الشقيانة" فهي عجوز مسنة الشيخوخة تعض عظامها ولكنها ترفع يديها لتفرح وتهلل وتبتسم رغم الآلم.
الإنسانية في وجه العبث
بائعة مسنة
حكايات مصر الحلوة الشقيانة، في هذه اللقطة، دب الشقاء من عين رأس العجوز الجالسة، التي أخذت من الشارع مأوى فكان لها مجلسا ومرتعا وبيتا، تجاورها وسادتها وغطائها الشتوي ، وبالقرب منها صندوقا يتبع إحدى الجمعيات المخصص لجمع التبرعات، تفترش الشارع لتبيع المناديل وتجلس على ورقات من مادة الكارتون، الصبر يتدلى من عينيها المبتسمتين كأن هناك من أجلسها ثم تركها وغادر ليستعملها فيحن المارة على حالتها مشفقين عليها ويمدون يدهم لها بالمساعدة.
اللقطة نفسها كانت عجيبة أن تجمع بين النصابين ودعاة الإنسانية والإنسانية في وجهها الحزين، فهل لو كان العاملين بتلك المؤسسة التي تصدر لافتة عريضة في واجهتها، لجمع أموال المواطنين، فهل يا ترى لم يلاحظها أي من العاملين في هذه المؤسسة التي تدعي رعاية الغير قادرين؟ ألم يفكر أيا من هؤلاء الذين يضحكون على المواطنين باسم الرحمة والإنسانية وهم لا يعرفونها من الأساس؟
الجيش قالك أتصرف
مواطنون يتناولون الإفطار في الشارع
يجلسون بانتظام مصطفون على طول أحد جانبي الطريق، يأكلون من تلك العربة" الفول" من تلك العربة التي تفنن صاحبها في ابتكار فكرة تساعد الزبائن على تناول الإفطار بديلا عن الوقوف أمام العربة، خاصة أن هناك أطفال ونساء في الشارع المصري الذي لا يهدأ والخطوات تدب فيه ليلا نهارا، قد أخذ من سور الطريق مجلسا ونفذ عليه فكرته البسيطة المريحة، وصنع من الأقفاص الخشبية المصنوعة من جريد النخيل متكأ، لقطة واحدة استطاعت أن تجسد حكايات مصر الحلوة الشقيانة.
المسافرون على درب الكلمة
موظف مصري
وقف شامخا يتطلع صحيفته، يحمل على ذراعه عكازه، الذي يشاركه لحظات عديدة في حياته الطويلة، يساعده منظاره الثابت، على التفحيص والتمحيص في أوراق جريدته، ولجواره مقهى تضج بالجالسين، الذين يسبحون بخيالاتهم في أجواء معيشتهم وحياتهم الخاصة، وكأنهم مسافرون في مجرة بعيدة عن التي يقف على ناصيتها هذا الرجل، والشيب يدب من رأسه، يربط كرفاته بدقة، محافظا تماما على نصاعة بياضها، لا يهتم بكل بمن جاوره ويبقى انشغاله بقراءته، هو المحور الأهم.
أبهة اجتماعية على الطراز الريفي
فلاح مصري
أبهة اجتماعية من نوع خاص، رجل يقترب من العقد الثمانين، يدير رأسه بعظمة حتى وإن غلب على ملامحه التعاسة والحزن، كأنها رأس ملك فرعوني شامخة ملفوفة بدقة، ورغم هذه العظمة التي تسند ظهره الأقرب إلى الاتكاء والعجز والممزوج بالانحناءات والشقوق فجلسته مائلة بعضا ما، إلا أنك تشعر أنه جالس على حافة الموت ينتظر دوره في طابور المودعين، وكأن الدنيا بدأت له كمرقد منتهية ولا يريد أن يتشبع بالنظرات الأخيرة إلى العالم الذي نقل لحظاته المريرة والسعيدة، وهنا تقف حكايات مصر الحلوة الشقيانة على وطأة الآلام.
القراءة تغني النفس وليس الجيوب
بائع الجرائد
في غفلة من حكايات مصر الحلوة الشقيانة، التقط مراسل بوابتنا "المواطن" صورة لبائع الجرائد في أحد أحياء القاهرة القديمة، وهو يتناول صحيفته الخاصة يطالع الأخبار والأحداث لا تشغله مواقع التواصل الاجتماعي، لا يملك حسابا عبر الفيس بوك ، وليس له صديقة من أجنبية يقص عليه مغامراته المصرية ومواقف البطولة التي لعب أدوارها، لم يرسل التعويذة المعروفة للجميع " هاي نتعرف " هو على غرار كثيرين أوشكوا على الاندثار يفضلون الصحيفة والثقافة التقليدية ويرفضون صحافة العولمة التي فرضت نفسها علينا.
الطفولة في أبهى صورها
عربة كارو
كانوا عائدين من رحلة عمل تجمعوا واستقلوا مركبة أحد أصدقائهم، وجلسوا جميعا ينشدون الأغنيات ويضحكون ويهللون على ظهر العربة، وكأن العابرين جميعا أفسحوا لهم الطرقات وتركوها فارغة بدون ضجيج سيارات وبدون مارين، حتى يتمتعوا بلحظاتهم المسروقة من العمر، البريئة بقدر الطفولة التي جمعتهم جميعا، وبعد عقود من الأزمنة يتذكرون ذلك اليوم الذي عادوا فيه من هنالك الطريق الطويل الذي يضج بالمارة ولكن هذا اليوم كان فارغا من أجلهم وحدهم.
القهر أذل مجلسها رغم ثوبها الأخضر
امرأة مسنة
وحدها تجلس مقيدة حزينة بلا سند وبلا رفيق وبلا أبناء الجوع يعض قديمها المغطاة بنعلها البالي، وتغطي جسدها المرهق بالأخضر، أنيق جدا عليها، لطيف جدا، لكنه لا يتناسب مع خشونة الحياة التي تعيشها، لا يتناسب حتى مع شقاء النهار الطويل الذي يلقيها بلا مأوى على الطرقات تنتظر أن يمد أحد المارين لها يد العون، دون احترام لسنها وكهولتها والحزن الذي يتدلى من عينيها، القهر حتما كان سيد الموقف، وهكذا تكون بالضبط حكايات مصر الحلوة الشقيانة.
النوم على جدار المعاناة
عامل مصري
على مقعد النقل العام، جلس ينتظر السيارة، شعر بالإرهاق قليلا فخلع حذائه كي يسترخي بعض الشيء، ربما كان هناك أمرا ما يشغل ذهنه حتى جلب أرهقه تفكيرا وتعمقا حتى نام، ولم ينته من التفكير في موضوعه الذي يشغله طويلا حتى استلقى على الكرسي فنام، وأصابعه مطوية دليلا على حجم المعاناة التي يعيشها في حياته اليومية.
بناء الأمم يبدأ بنظافتها
عامل نظافة
الإيمان بقيمة العمل ودوره في استمرار حياتنا هو مهبط عيشنا، فبالعمل تنهش الأمم وتقوم على أسس الصلاح والتنمية، مهما كانت مهنة كل شخص منا فكلنا يكمل بعضه الأخر، ونجاح المجتمع يعود إلى نجاح كلا منا في أداء مهمته، فبالعمل نهضت أوروبا، وتقدمت الصين، وعاشت بلاد كانت قد انتهت ولا فارق بين ضابط ومحام ونجار وحرفي كلنا في سفينة واحدة، وفي طريق حكايات مصر الحلوة الشقيانة، نرصد كل حكاية ورواية.