حكايات مصر الحلوة الشقيانة.. بين العاشقين والورد الذي ينتظر المحبين
تراقب حكايات مصر الحلوة الشقيانة خطوات
الشارع المصري، ترصد أصوات المطر المتدلية كعناقيد العنب من شجرة مثمرة خضراء،
تقرأ أحوال العابرين، والجالسين والنائمين بين المدارات التائهة، لا يمهل مراسلو
بوابتنا "المواطن" في متابعة كل يلمع حولهم يرفعون عدساتهم في وجه
الشمس، ويتسللون داخل الحقول الخضراء، كل هذا وذاك من أجل لقطة، لا يرى بها إلا
إمتاع القارئ مسافرين من أقصى الشمال لأدنى الجنوب، الأصوات الليلة التي تصدح بها
البيوت والشوارع والمقاهي جعلتهم لا يخفقون نصف لحظة في مراقبة القاهرة الساحرة
فهل جئتم معنا هذا اليوم في جولة؟
حكايات مصر الحلوة الشقيانة في جولة شعبية
جلست في
عباءتها المتواضعة على سطح عربتها "الكارو" تسوق حصانها ليس رفاهية بل
كفاح وتحدي، كم امرأة في مصر تكافح وتناضل صعوبات الحياة من أجل الحياة، لا تعبئ
بصيحات الموضة أو أضواء المهرجانات اللامعة، لا يشغل بالها إلا أن تحصد لقمة عيشها
من عرق جبينها وتبقى السعادة في نظرها مجرد ابتسامة برئيه على وجه طفلها عندما
تعود من مشاق صراع حياتها لتأخذه في أحضانها تطبطب على قلبه وتدلله.
ضرب الشيب بالعمل فصار جسده شابا
تظهر على وجهه علامات الوقار الممزوج
بالثقافة الطالة من منظاره الرقيق، يجلس على أحد جانبي الأرصفة يبتاع "لعب
الأطفال" ملابسه منسقة تماما وملامحه منمقة، لم يفكر في الخجل الذي يقنع نفسه
بألا يبيع ما بين يديه الذي قد يبدو في نظر الآخرين أنه لا يليق بسنه، والشعر
الأبيض يدب رأسه وشاربه شيبا وإن كان معطفه يخفي جزءا من هذا الشيب إلا أنه واضحا
جليا، ونساء حكايات مصر الحلوة الشقيانة، يخرجن من واقع الحياة العصيبة ليصنعن
أنفسهن.
يظل في هذا الركن الضيق من العالم الفسيح
يجلس كما هو، لينتظر أحد الصغار يمر عليه متعلقا بيد أمه فيلتفت إليه ويطلب منها
شراء واحدة من اللعب، وإن كان الشيب يرهق الجسد، فهناك رجال في ريعان شبابهم
يفضلون البقاء في البيوت وينتظرون أن ينفق عليهم أسرهم وذويهم، حتى كادت الرجولة
تموت في أجسادهم من كثرة كسلهم وخمولهم.
تمسك بيد من تحب فإن الفراق مر لا يطاق
تمسكت بيده جيدا كأن قلبها عاد طفلا من جديد،
تنساب روحها على طول الطريق سعادة، فكلنا يبحث عن هذه اللحظة، لحظة حب حقيقية يمد
العاشقون أيديهم داخل أرواحنا ينزعون الأوجاع منها ويداوون الجروح، فالابنة تحتاج
إلى دفء كفتي والدها وحنانه، فيكون في حياتها محطات أمان تدس فيه عقبات الزمان
وتقلبات الدهرـ فالحب في حكايات مصر الحلوة الشقيانة له مذاقا خاصا.
إن كانت اللقطة في هيئتها بسيطة لكن مضمونها
يحمل الكثير من المعاني لا ترى، لقطة خلت من التصنع شفافة براقة، كل الصور الرقيقة
التي تعرضها شاشات السينما ليست في حقيقتها خالصة وواقعية بل هي لحظات متفق عليها
ومدفوع أجرها، بيد أن هذه اللحظة لم يدفع أحدا منا شيئا حتى يراها، أو يجعلهم يضما
أيديها ببعض، وكأنهما حلفا ألا يفترقا وأن يخرجا عن نصوص الطريق حتى يظلا معا.
يا ورد مين يشتريك
تدلت من فوق أريكة الأبهة الاجتماعية بكل
تفاصيلها، حتى تلتقط صورة لزهرة، رائحة الزهر الفواحة نادتها من بعيد، فلبت ندائها
ونزلت إلى مستوى تمركزها حتى تأخذ أنفاس عطرها في صورة، وبينما هي على جلوسها كان
مراسل بوابتنا "المواطن" يأخذ لها صورة وهي ترصد الجمال كما أبدعه
الخالق، وإن كنا نرى في الجانب الأخر من المظهر السيئ آخرون يجلسون بعناية كهذه من
أجل قطف زهرة وحرمان الأعين من النظر إلى جمالها.
السعادة في البساطة مش بالقصور
ترصد حكايات مصر الحلوة الشقيانة في هذه اللقطة،
حقيقة السعادة التي ترى في البساطة والتمتع بالحياة بمختلف ألوانها، وإن كان مجرد
جلوس متواضع على الرصيف وأكل الحلوى أو تناول قطعة من البطاطة المشوية، وإن كنت
حافيا لا تملك حتى شراء حذاء فسوف تكون سعيدا إن كنت راضيا، وليس السعادة في
القصور وامتلاكها ومباهج الحياة التي نتعلق في أسراب وجهها الزائف.
"التعاسة" الوجه الأخر
من القبح
في خانة البعد عن البشر جلست وحيدة منفردة
تتباكى تقلب أوجاعها على وجهها الحزين، الدموع تكاد تتدلى لكن خائفة، تخشى أن
يرصدها أحد العابرين من هناك أو هنا فيعرف سر أوجاعها لكنها آبت، بيد أن ملامحها
الحزينة كاشفة وموضحة كل ما تريد إخفائه، الرداء الأسود الذي يغطيها يجعلها أكثر
حزنا وتعاسة وكأن عمرها كبر قبل أوانه، وقصتها المقروء نصف تفاصيل في جلستها تبدو
مثل كثير من قصص نساء حكايات مصر الحلوة الشقيانة.
رواد الابتسامة الصافية والقلب النقي
أخذ مقعده من الطريق، وجلس يراقب لقمة عيشه،
لا يفهم في السياسة التي يتحدثون عنها، ولا يعرف كيف تطبق آليات التنمية المستدامة
ولا يعي أي شيء عن العلاقات الدولية الحديثة غير أنه ربما لم يخطر على باله مسبقا
أن يدخل في أغوار الماركسية، لكنه بحث عن طريق يحصل من خلاله على لقمة عيش، لم
يمكث في البيت ولم يبك قلة فرص العمل ولم يشكو البطالة، وهذا ما يعانيه جيلنا
الحالي الذي يرغب في الحياة بلا عمل.
شيبسي والدنيا ماشية عكسي
لم يمنعها أي عائق من أن تعيش مبتهجة ومبتسمة
ومقبلة على الحياة وإن كان الواضح أنها تودع الحياة، اقتربت من بائع الصحف لتصطحب
صحيفتها المفضلة، وفي الزاوية الأخرى من الصورة تجد هناك بعثرة غير متناهية للكتب،
فهذه طريقة ترفض بأي حال من الأحوال في وداع المطبوع، وإن دل على شيء لا يدل إلا
على تراجع الفكر وسيطرة العولمة، وانهيار منظومة الكلمة.
أنقذوا الشباب قبل أن يضيع فنضيع معه
جعل من الشارع مأوى له مهاجرا للحياة كلها
ينام في الطرقات ويحتضن الأرصفة، تعبث به ليال الشتاء القاسية إلا أنه لازال مستمر
على جلوسه، لا يمكن الحكم عليه مطلقا بأنه شخص عقيم النقع، بل هو مريض نفسي، ربما
قد أحوجه إلى الشارع مرارة الأيام وثقل الزمان، وقد تكون هناك أسباب شخصية ومشكلات
خاصة عجز عن حلها فهجر الحياة كلها، قد يكون ما هو عليها نواتج صدمة صاعقة السؤال
الذي تطرحه حكايات مصر الحلوة الشقيانة، هل يوجد في مصر أماكن لإعادة التأهيل
النفسي للأفراد؟
مواطن الرزق بين الرضا والبساطة
يدور في الشوارع بين الطرقات وداخل الأسواق،
وفي الأزقة الصغيرة المرمية على أطراف المدن، يحمل على يديه حزم الجزر الأحمر
وكذلك الأصفر، يبرع في رص الوحدات منها منفردة ومجمعة، ينادي في المارة وفي
العابرين والجالسين على المقاهي عسى أن يخطف الأنظار له فيبيع ما يحمل، حتى يقضي
حاجات بيته، وهذه الشريحة من البائعون هم أكثر الناس احتياجا وأكثرهم عملا وقناعة.
يا عم اضحك وخليها على الله
تبدو الأحزان تتراقص في عينيه، غير أبهة بثقل
روحه المكبلة بالشيخوخة والعجز، يتكئ على حجر أصم لا يسمع ولا يحس بشكواه، التقطته
عدسة حكايات مصر الحلوة الشقيانة في طريقها ومراسلو "بوابة المواطن"
يتجولون بين الشوارع أثناء عملهم الميداني، ليسجد قهر الزمان في لقطة عابرة، وكأنه
يحاكي الشباب أن يرد في عظامه بعدما أوجعه الشيب.
الحرية كما لم تعرفها من قبل
حلقوا جميعا في أسراب متساوية، كأن هناك شخص
ما قد أغلق عليهم أبواب الحياة ثم كسر فجأة فانطلقوا جميعا يهربون مع الغروب،
ليعبروا عن الحرية، والحقيقة أن القيود ليست زنازين ليست أقفال حديدية، القيود هي
أن يقيد لسانك بواقع ثقافة المجتمع التي تمنعك الحديث، أو تحجر عليك الأعراف
والتقاليد قول الحق، فتظل ساكنا تحبس أفكارك خلف زنازين المجتمع المتخلف، لا يمكنك
قول أي كلمة خارج القطيع فيقطعون رقبتك.
من سحب بساط الجنة من تحت أقدام الأمهات! هل
من مجيب؟
مضت في الطرقات وحدها التعاسة تتدلى من
ثوبها، جموع العابرين تركوها شريدة بين ظلمات الأيام وحاجة الحياة، كامرأة ربت
طفلها فأكثرت في تدليله ولما كبر تركها وهاجر وهو يعرف جيدا أن ليس لها رفيق غيره
لكن أهوائه الشخصية دفعتها لينس المرأة التي حملته في بطنها وهنا على وهن، وغيره
الذي جادت أمه من أجله بزهرة عمرها ولما كبر قطف زهرتها وتركها بلا سند وكان
يضربها في الشوارع ويجبرها على الشحاذة، لكنهم لا يعرفون أن ما يصنعوه اليوم
سيحصدونه غدا.
عدسة سينما الشارع المصري في ضواحي الغلابة
تأخذك الطرقات وتأتي بك من هنا وهناك، تقابلك
العديد من المواقف لكن متاهات الحياة تنسيك أن تستكشف المواقف، أو حتى تتأمل
بساطتها في الوقت الذي يمكث مخرج السينما بالأسابيع من أجل أن يصنع لك مشهدا شبيها
بالواقع، فحينما تنظر إلى هذه الصورة، الأكثر بساطة وشعبية تجد أن الصورة حوت
مشهدا من واقع الحياة التي يعيشها طبقة عامة الشعب على اختلاف البيئات التي ينتمون
إليها.
النيش سبب فشل الزواج في مصر
ظلا في اشتباك وخناق ممتد على طول جلوسهما،
يتناقشا فيما بينهما عن بيت الزوجية والمطالب الأسرية وإن كان لهما بيتا ما كانت
تعبيرات وجوهما تظهر منقلبة على أمرها، وهما في الواقع يفجران كتلة من التخلف
التقليدي داخل الواقع الاجتماعي المصري، وشروط الزواج ومتطلباته، التي تكون في
أغلب المشكلات الشبابية بين المقبلين على الزواج أو المرتبطين سواء بشكل رسمي أو
لا هي قبلة المشاكل، ولا تتراجع ثقافة المجتمع المصري في التخلي عن تلك الثقافات
العابثة.
الأمطار على جبين الأرصفة ذكريات وحكايات
رصدت عدسة "بوابة المواطن" أجواء
الشارع المصري بعدما هبطت الأمطار على جبين الأرصفة فغيرت ملامح الطرقات،
والسيارات والنوافذ غير رائحة البيوت والأسطح، من منا لا يحب المطر، الأسطورة التي
لا تقهر في الشتاء، الليل الممطر الذي نعشق نسماته، فتنساب أنفاسنا مع رائحة الحطب
المشتعل أسفل الحجرات داخل المنزل الكبير للجدة، والذكريات التي يحملها كل شتاء
وأيدينا التي كانت تتشابك بأيادي أشخاص رحلوا أو لازالوا معنا نحبهم ويذكرنا
الشتاء بهم.
لمحة من باريس في الشارع المصري
كان مراسلو "بوابة المواطن" يجهزون
أنفسهم لرصد حكايات مصر الحلوة الشقيانة، فاختطفت أنظار أحدهم هذه اللقطة الشديدة
الهدوء، فسارع في التقاطها منتهزا الفرصة التي لا تتكرر، لن تشعر أنك ترى مكان
داخل أحد المناطق الشعبية بالقاهرة، بل ستشعر أنك تتجول في إحدى المقاطعات
الألمانية حيث السيارات الكثيرة المصفوفة بعناية ودقة، ستظن أنك في باريس بحكم
الهدوء الذي تلاحظه، لكن هل يصنع المطر كل هذه الروعة في لحظة؟ عندما تجيبون علينا
ستعرفون لماذا نحن نحب الشتاء.