فيديو| صناع الزجاج اليدوي بالإسكندرية.. أنامل ذهبية "تعمل من الفسيخ شربات"
الثلاثاء 15/يناير/2019 - 12:11 م
مريم حسن
طباعة
وسط أجواء حارة، ودقة متناهية، وسباق مع الزمن، وخلية نحل يعملون طوال اليوم، تتم صناعة الزجاج اليدوى المصرى بالإسكندرية بمواصفات عالية الجودة، ليحافظ على آخر قلاع صناعة الزجاج المصرى، ويحارب المنتجات الصينية ويتفوق عليها بجدارة.
بمجرد أن تطأ شوارع محرم بك، بوسط الإسكندرية، تحديدا خلف قضبان السكك الحديدية، التى تهالكت وكساها الصدأ بمرور السنين، تجد أقدم مصانع الإسكندرية لصناعة الزجاج اليدوى؛ المصنع استطاع أن يصمد ويظل شامخا رغم مرور الزمن وقسوة لياليه، وغلق المصانع المنافسة له أبوابها، ليصبح وبجدارة المصنع الوحيد المتخصص فى صناعة الزجاج اليدوى بالإسكندرية.
جاء طفل صغيرا لم يتجاوز عمره الـ10 سنوات من القليوبية إلى عروس البحر المتوسط، ليصبح صبيا فى أحد مصانع الزجاج، ويقف أمام أفران شديدة الحرارة، كادت أن تذيب جسده الرقيق من شدة سخونتها، إرضاء لرغبته فى تعلم صناعة الزجاج.
بدأ هذا الطفل عمله بأجر يومي لم يتجاوز الـ7 قروش، ووقف كالرجال فى المصنع يدا بيد كبار حرفي صناعة الزجاج، يعاونهم ويتعلم منهم أصول الحرفة، فرغم العرق الذى يتصبب من جسده، والتعب الذى نال منه، إلا إنه ظل صامدا شامخا أمام ألسنة اللهب التى أحاطت به من كل مكان، وتصل درجة حرارتها إلى 3000 درجة مئوية.
يوما بعد يوم يعمل ويكد هذا الطفل، وسخونة الماكينات تظهر على وجهه، وحركاته التى تتم دون حذر أو خوف دليل على تمرسه في المهنة، حتى مرت السنوات سريعة وأصبح هذا الطفل صاحب أقدم مصانع الزجاج اليدوى فى مصر، والمصنع الوحيد بالإسكندرية.
يقول فتحى بلال، صاحب مصنع "الشركة المصرية لصناعة الزجاج"، إن تاريخ عمل المصنع يعود إلى عام 1960، حيث جاء طفلا يبلغ من العمر 10 سنوات إلى الإسكندرية للعمل فى مصنع الزجاج، الذى أنشأه عطية إبراهيم الفيومى، عضو مجلس الشعب الأسبق عن دائرة طوخ بالقليوبية، ثم أخذ فى الترقى عام بعد عام حتى أصبح شريكا فى المصنع، واستطاع شرائه قبل سنوات.
وأضاف بلال "لما كنت صغير قولت لعطية الفيومى انا عايز أتعلم تصنيع الزجاج، واخدنى معاه المصنع وعلمنى وشربنى المهنة لحد ما جه اليوم اللى اشتريت فيه المصنع منه وبقى المصنع الوحيد فى اسكندرية"، موضحا أن أصحاب المصانع الأخرى اضطروا للإغلاق نظرا لكساد السوق.
وأكد بلال أن صناعة الزجاج اليدوى أوشكت على الانقراض وذلك لعدم وجود أيد عاملة جديدة، وأخذ العمال فى التناقض المستمر، بالإضافة إلى غلاء أسعار الخامات، والغاز؛ الذى يعتبر عاملاً أساسياً فى الصناعة، وقلة الطلب على المنتجات.
مراحل صناعة الزجاج اليدوى
واصطحبنا كريم السيد، محاسب المصنع، فى جولة لشرح مراحل صناعة الزجاج اليدوى، التى تبدأ بمرحلة "الخلط"، وفيها يتم خلط الرمل الذي يتم إحضاره من سيناء مع الحجر الجيري وكربونات الصوديوم، وبعض المواد الأخرى.
وأضاف أن المرحلة الثانية "الصهر" تبدأ بوضع الخليط في الفرن، تحت درجة حرارة مرتفعة، لتحويله إلى مصهور الزجاج، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهى "التشكيل"، حيث يقوم العامل بالتقاط هذا المصهور من الفتحة المخصصة لخروجه على ماسورة حديدية مفرغة من الداخل، فتخرج الماسورة وعليها كمية صغيرة من السائل تسمى بـ"البلّينة"، ويتم تشكيلها فى أشكال متنوعة.
وأخيرا نصل إلى المرحلة الرابعة؛ وهي "النفخ"، حيث يتم النفخ في قطع الزجاج ووضعها على"الفورمة"، وبعد خروجها من"الفورمة" يتم إزالة الزيادات من قطعة الزجاج، ثم تتم المرحلة الخامسة "التحميص"، حيث توضع القطعة لبضع دقائق داخل صندوق حديدي موضوع على سير متحرك يأخذها إلى نهاية الفرن، بهدف التقليل من تعرض المنتج للكسر.
ثم يصل المنتج إلى المرحلة الأخيرة، وهى مرحلة "الزخرفة والتلوين" والتي تتم حسب طلب المشتري، وبعدها يتم تعبئة المنتج، وتتنوع أشكال المنتج ما بين أكواب وبرطمانات كما كان فى الماضى، أما الآن فيتم صناعة النجف، والزخارف.
ويوضح محاسب المصنع، أنه يعمل قرابة 80 عامل بالمصنع، مؤكدا أن عددهم في تناقص مستمر، لعدم وجود تدريب كاف، وعدم طرح اتفاقية تعاون بين التعليم الفنى والمصانع.
فيما يقول عم محمود، أقدم عمال المصنع، إنه يعمل فى المصنع منذ 50 عاما، مضيفا "صناعة الزجاج اتغيرت عن زمان، دلوقتي بقينا بنستخدم الآلات والأجهزة إنما زمان كان كله يدوى".
ويؤكد عم محمود أن كل ما يتم استيراده من الخارج يقوم المصنع بإنتاجها بجودة أعلى، مضيفا "احنا اللي وقفنا شغل الصينى فى اسكندرية، وعمرنا ما استوردنا حاجة من الصين عشان بتتكسر بسرعة وطبعا المصرى دايما هو اللى يكسب".