تمثل استضافة مصر لـ القمة العربية الأوروبية الأولى ، في مدينة شرم الشيخ، بدءًا من يوم الأحد، 24 فبراير، محطةً جديدة في طريق طويل بدأته الدولة المصرية، وقيادتها السياسية، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ بضع سنوات، لاستعادة دور مصر الإقليمي، ووضع مصر كدولة محور على المستوى الدولي، من خلال بوابة الاقتصاد والتنمية.
ومثَّل الظهير العربي والأفريقي، والأفق الأوروبي، محاور حركة رئيسية مع محاور أخرى، للقيادة السياسية المصرية، التي قامت بتوجيه مختلف أجهزة الدولة للعمل على تحقيق هذا المستهدَف؛ استعادة دور مصر ومكانتها.
وفي عالم تُغلِّفه المصالح الاقتصادية بغلاف ثقيل، كان التعاون الاقتصادي بشتى صوره، ولاسيما الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري والدعم الفني في المجالات المتخصصة، مثل الصناعات الدقيقة والتعاون في المجال الهيدرولوجي، على رأس قائمة "مفاتيح" التحركات التي قامت بها الحكومة المصرية.
وفي هذا الإطار، فإن الرأي العام اعتاد أن يرى وزراء الاستثمار، والتخطيط، والهجرة والتعاون الدولي، وغيرهم من وزراء المجموعة الاقتصادية، في صحبة السيد الرئيس في جولاتها الخارجية، التي كان يتم تخطيطها دائمًا بالشكل الذي يُخدِّم على هذا المستهدَف، وما يتصل به من مصالح مصرية حيوية تمثل مصالح أمن قومي على أكبر قدر من الأهمية، على رأسها جذب المزيد من الاستثمارات، من أجل أقامة مشروعات مولِّدة للعمالة، وتحسين فرص التصدير، بما يجلب المزيد من العملة الصعبة.
التنمية كأداة للسياسة الخارجية
في حقيقة الأمر؛ فإن مصر أدركت أنه لن يمكن تحقيق الأهداف الموضوعة في هذه الاتجاهات من دون تهيئة البيئة المناسبة في مصر ذاتها، بحيث تتحول البلاد إلى نقطة جاذبة للاستثمارات وحركة التجارة الإقليمية والعالمية.
فشهدت السنوات الماضية حركة عمل نشطة على مختلف محاور التنمية، ولاسيما فيما يتعلق بإقامة البنية التحتية اللازمة من أجل جذب الحكومات والشركات العالمية من أجل العمل في مصر، بما في ذلك البنية التشريعية، التي تتضمن منظومة من القوانين والإجراءات، من أجل التيسير على المستثمرين الأجانب.
فكان التركيز على المشروعات القومية في مجال الطاقة والبنية الأساسية، ولاسيما في المناطق المستهدفة لأن تكون مناطق صناعية كبرى، مثل إقليم قناة السويس.
فكانت الاتفاقيات الموقَّعة مع دول الجوار، مثل المملكة العربية السعودية، وقبرص واليونان، من أجل ترسيم حدود مصر البحرية، بحيث تستطيع مصر استغلال المكامن الواعدة لموارد الطاقة، ولاسيما في منطقة شرق المتوسط.
كما مضت مصر بعيدًا في مشروع تحديث شبكة الطرق القومية، من خلال إضافة عشرة آلاف كيلومتر من الطرق، حققت عنصر الربط بين أطراف الدولة، بجانب خدمة المدن والمناطق الصناعية الجديدة التي تتم إقامتها في مختلف أنحاء مصر، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، ومدينة الجلالة.
وفي قراءة سليمة لاحتياجات السوق الإقليمية والدولية، فإن مصر، سعت إلى أن تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، من خلال إقامة مركز ضخم في ميناء دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، وتدعيم شبكة الكهرباء القومية، بحيث يمكن لمصر تصدير الطاقة الكهربائية لدول الجوار، مثل السودان والأردن والمملكة العربية السعودية.
على المستوى الإقليمي، وفي الظهير الأفريقي، تدرك مصر من خلال خبرات عقود طويلة مضت، أنه بجانب التعاون في مجال الطاقة الكهربائية؛ يأتي التعاون الفني في مجال المياه، هو من أهم ما يمكن للدول الأفريقية، وبالذات في ظهير الأمن القومي المصري المهم في منطقة حوض النيل.
فجاءت مشروعات مثل سد "ستيجلر جورج" في تنزانيا الذي بدأت مصر في تشييده في تنزانيا، مع تبني دبلوماسية هادئة طويلة المدى تستبدل المواجهة زالتصعيد، بالتعاون البنَّاء في مجالات الطاقة والزراعة مع إثيوبيا، كإحدى صور معالجة ملف "سد النهضة"
وتخطط مصر في هذا الإطار، إلى أن تستغل عام رئاستها للاتحاد الأفريقي في 2019م، من أجل نقل تجاربها وخبراتها إلى الدول الأفريقية في مجال التنمية وتحديث البنية الأساسية.
ثمار وشهادات ثقة
أتت الجهود المصرية الحثيثة في هذه الاتجاهات وغيرها، بثمارها في العام 2018م، ظهر في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستوى 5.8 بالمائة، وهو المعدل الأكبر للاقتصاد المصري منذ عشر سنوات، مع ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي المصري،إلى 44 مليارًا و513 مليون دولار في نهاية نوفمبر الماضي، بحسب أرقام البنك المركزي.
كذلك أدت سلسلة الإصلاحات التي قامت بها مصر في هيكلية الموازنة العامة، إلى حصول البلاد على ثقة مؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليَّيْن، مما قاد إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الأنشطة التنموية التي لم تكن لتقوم إلا من خلال ما تحقق في المحاور السابقة، وفي غيرها، مثل بدء العمل في المناطق الصناعية المخطط لها في إقليم قناة السويس ومناطق أخرى في مصر؛ حيث بدأ العمل مع مطلع العام 2019م، في مشروع المنطقة الصناعية الروسية شرق ميناء بورسعيد، والتي سوف توفر 35 ألف فرصة عمل.
ولقد دفع التحسُّن الكبير في مؤشرات الاقتصاد الكُلِّي المصري، بما في ذلك قطاع السياحة الذي يعمل في ظل ظروف أمنية داخلية وإقليمية صعبة، وبرغم ذلك حقق 40 بالمائة نموًّا في العام 2018م؛ دفع ذلك مؤسسات تمويل دولية إلى إصدار شهادات ثقة مهمة في حق الاقتصاد المصري.
ومن بين هذه الشهادات، تقرير وكالة "بلومبيرج" الأمريكية نقلاً عن بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني، الذي توقع بأن تصبح مصر من أكبر عشر اقتصاديات في العالم، بحلول العام 2030م، الذي حددته الدولة نقطة زمنية للانتهاء من خطط التحديث والتنمية الشاملة التي بدأتها.
ويمكن القول إن استضافة مصر للقمة العربية الأوروبية، واحدةً من النتائج المهمة لشهادات الثقة الدولية التي نالها الاقتصاد المصري، والتجربة التنموية المصرية، وكذلك يُعتبر أحد محطات الحركة المصرية لاستعادة الدور الإقليمي والدولي للبلاد.