مصنع الموت.. كيف تحول مقلب قمامة في أبو جريدة بدمياط إلى جريمة بحق البشر والبيئة؟
الأربعاء 21/يونيو/2023 - 12:00 ص
مجدي سبلة
طباعة
في منطقة أبو جريدة بـ محافظة دمياط، يعاني 180 ألف نسمة من سكان 10 قرى من تلوث هوائي ومائي وصحي خطير، بسبب مصنع ومقلب تدوير المخلفات الذي يستقبل ألف طن من النفايات يوميا، ولا يتوقف عن اشتعاله وانبعاث دخانه الأسود الكثيف.
وتسبب مصنع تدوير المخلفات بمنطقة أبو جريدة ، الذي أقيم على أرض كانت مخصصة لكلية الزراعة بجامعة دمياط، في تهجير نصف السكان وإصابة النصف الآخر بأمراض مزمنة، وتدمير مزارع الدواجن والماشية والزراعات في المنطقة. ورغم صدور حكم قضائي بغلق المصنع وإزالته، إلا أن المسؤولين التنفيذيين لم يلتزموا به، وطعنوا عليه في محاولة لتأجيل تنفيذه.
تفاصيل جريمة مصنع منطقة أبو جريدة في دمياط
تبدأ قصة جريمة المصنع، التي وصفها بعض المتضررين بـ"جريمة القرن"، في عام 1995، عندما تم تخصيص 100 فدان لكلية الزراعة بجامعة دمياط لتدريب الطلاب على أرض تجفيف بحيرة المنزلة. لكن هذه الأرض، التابعة لمجلس مدينة فارسكور، لم تستغل زراعيا، بل تحولت إلى مقلب قمامة عشوائي يستخدمه سكان القرى المجاورة.
وبعد سنوات، جاءت محافظة دمياط وأضافت إلى هذا المقلب مخلفات المحافظة وغيرها من المحافظات، حتى امتد المقلب على مساحة 20 فدان من أرض الجامعة. ولإدارة هذه الكارثة البيئية، جلبت المحافظة شركة متخصصة لفرز المخلفات وإطلاق عليه اسم "مصنع تدوير المخلفات الصلبة".
ولم يكن المصنع سوى آلية لدهس القمامة بالمعدات، مما أدى إلى اشتعاله ذاتيا وانبعاث دخان كثيف غطى سماء وأرض 10 قرى هي قرى الرحامنة والروضة وأبو جريده والعزازمة الجديدة والعزازمة القديمة وعزبة الجندى وكرم رزوق وتفتيش السرو والغنيمية وزرزارة، ولم تنطفئ نيران هذا المصنع طوال اليوم، محولة حياة السكان إلى جحيم.
آثار الجريمة
لم يكن تلوث الهواء هو الضرر الوحيد الذي خلفه هذا المصنع، بل كان هناك آثار أخرى أكثر خطورة على صحة وحياة السكان، فقد أصبحت مياه الشرب في المنطقة ملوثة بالمواد السامة والبكتيرية، مما تسبب في انتشار الأمراض المعدية والجلدية والكبدية والسرطانية بين الأهالي، خاصة الأطفال وكبار السن والسيدات. كما تضررت المزارع والحيوانات في المنطقة، حيث أغلقت مئات المزارع الدواجن والماشية بسبب نفوق الطيور والأبقار، وتدهورت جودة المحاصيل الزراعية بسبب تلوث التربة.
ولم يسلم من هذه الكارثة حتى التعليم، حيث هجر 1300 طالب مدرستهم الصناعية التي تلاصق المصنع، خوفا من التعرض للأذى. وفي مواجهة هذه المعاناة، لم يجد نصف سكان القرى حلا سوى التهجير إلى أماكن أخرى، بينما عانى النصف الآخر من عدم اهتمام المسؤولين بحل مشكلتهم.
ردود الفعل
أمام هذا المشهد المأساوي، لجأ سكان القرى إلى القضاء لإنقاذ حقوقهم، فقاموا برفع دعوى قضائية ضد وزير البيئة ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي ومحافظة دمياط والإدارات التابعة لهم ومدير مصنع تدوير المخلفات، مطالبين بغلق المصنع وإزالته، وفي 21 يناير 2020، صدر حكم من محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار إقامة المصنع على أرض كلية الزراعة، لعدم توافر الشروط البيئية والصحية فيه، وإلزام المسؤولين بإغلاقه وإزالته، لكن هذا الحكم لم يُنفذ حتى الآن، بل طُعِن عليه من قبل المحافظة في محاولة لتأخير تطبيقه.
كما لم تُبدي المحافظة اهتمامًا بدراسة أماكن بديلة لإقامة مصنع تدوير المخلفات في منطقة جزيرة كوم الدهب في بحيرة المنزلة أو في منطقة شطا أو في منطقة جمصة، كما اقترح الأهالي، مناشدين الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بعمل زيارة ميدانية لهم.