صور| أطفال العمالة الرديئة بسوهاج.. ظاهرة يتألم منها أصحاب القلوب
الأربعاء 24/يناير/2018 - 10:00 ص
أيمن أحمد
طباعة
مأساة حقيقة طفحت على مرأى ومسمع من الجميع، وفي محاولات عدة لمواجهتها، لم تأتى ثمارها حتى الان، ظاهرة انتشار أطفال العمالة الرديئة فى كل الميادين العامة والخاصة وشوارع ودروب وحارات محافظة سوهاج بجوف صعيد مصر، حيث يقومون بالعمل فى نقل ونبش القمامة والمحاجر والحدادة والبيع فى الشوارع وغسيل السيارات، والمزارع، وبعض المحلات وغيره.
ظاهرة لا تحرك للمسئولين ساكن
انتشار هذه الفئة من الأطفال فى شتى البقاع، وخاصة من يعيش منهم طفولة بائسة لا رحمة فيها من الأسرة أو المجتمع، إنتباه المواطنين والمسئولين، دون تحريك ساكن لهم، فمنهم من يقضى معظم يومه فى الشوارع والميادين وأسفل الكبارى ومحطات السكة الحديد ومواقف السيارات وأمام المستشفيات والمتنزهات العامة، وبالرغم من عودتهم فى اخر النهار الى مساكنهم بين اسرهم واولياء امورهم، الا ان هؤلاء الأطفال يقومون بتكوين عصابات مصغرة للسرقة والنشل أو الاغتصاب ومنهم من يكون عرضة للتحرش من الاخرين، او التسول بين الناس، وقضاء أوقات فراغهم سويا بطرق سيئة، بديلا عن العلاقات الأسرية التى يفتقدونها، ويدفعهم ذلك كثيرا للتدخين وتعاطى العقاقير والاتجاه اللى الادمان.
وجوه كتب على وجههم الفقر
تشاهد أعيننا فى الشوارع وفي كل مكان أطفال، وكأنه كتب على وجوههم الفقر، وبملامح عيونهم الزائغة، يلبثون ثياب رث، ومقطعة لا تستر أجسادهم النحيلة البريئة، وتطبع على وجوههم علامات الفقر واليأس،وتتحرك شفاهم على ما فى أفواه أقرانهم الاغنياء من مأكل ومشرب لم يمنحهم القدر الحصول عليه، حيث لا لقمة هنية تسد رمقهم، ولا اشباع لحاجاتهم النفسية او الاجتماعية أو الصحية او التعليمة، وغيره من الحاجات الاساسية، وفرض كل ذلك عليهم العزلة عن الاخرين، والإحساس بالنقصان والضعف عن ذويهم ممن هم فى اعمارهم، وكثيرا منهم لا يرجو الى البقاء على قيد الحياة، دون أهداف اخرى، فى ظل عدم الاحساس بالامان من اسرهم والياء اموره والحياة التى يعيشونها.
أعمل لمساعدة والدي
التقت "بوابة المواطن" بأحد هؤلاء الاطفال من قرى طهطا شمال سوهاج، ويدعى "أحمد" 15 عام، وبصحبته شقيقته "صفاء" 8 اعوام، وكانوا يعتلون دراجة نارية "تروسيكل"، ويقومون بتجميع الزجاجات البلاستيكية والزجاجات الفارغة بالإضافة الى اوراق الكراتين وبعض المعلبات الفارغة من الصاج والبلاستيك وغيره، من داخل الترع وأكوام القمامة، حيث يؤكد أنه اشتغل بتلك المهنة وشقيقته للحصول على مال ليعطيه لوالدة الذى يعمل بائع حلوى متجول، لمساعدته فى المصاريف وسد الحاجات والمتطلبات الاساسية اللازمة للمعيشة من مأكل ومشرب، وخاصة انه يملك سبعه من الأخوة غيره، بالإضافة الى تكوين بعض المال لذاته،الذى يمكنه من شراء بعض الملابس الجديدة مثل جيرانه واقرانة من الاطفال الاغنياء، وأكد انة التحق بالتعليم فى بداية حياته وشقيقته ولم يكملا فى المدارس لصعوبة الحياة وقسوتها عليهم من الناحية المادية.
اتمنى اني أكمل تعليمي
أضاف والدموع تكاد أن تسيل على خديه البريئتين أنه كان يتمنى ان يكمل تعليمه وشقيقته وباقي أشقائه الذين تسربوا من التعليم، للعمل فى احضان الشارع وتحمل كثير من المسئولية، وخاصة عندما يرى جيرانه من الاطفال يذهبون للمدارس وتعتلى الفرحة وجوههم والزغاريد تملئ بيوتهم لحظة نجاحهم فى أخر العام الدراسى ويتدفق عليهم الجيران لتبادل التهاني.
رفع الزبالة على التروسيكل
أما "صفاء" الطفلة البريئة صاحبة البشرة السمراء والجسم النحيل، والعيون السوداء البارقة الجذابة، تملا البسمة وجهها وتضحك كثيرا اثناء حديثنا معها والتقاط صورة لها، وهى تكاد لا تفقه شئ فى الدنيا إلا مساعدة شقيقها الذى يصطحبها على التروسيكل والذى تقوم بحراسته أثناء نبشه القمامة، بالإضافة الى فرز بعض القمامة ايضا ومساعدته فى رفعها على التروسيكل.
بيع المناديل احسن من الشحاته
والتقينا بطفل اخر يدعى "علي" 14 عام، يقوم ببيع المناديل بأحد مواقف السيارات، ولم يلتحق بالتعليم على حد قولة ولا يمكنه القراءة او الكتابة، وان اسرته فقيرة جدا وتقطن بمنزل من الطين على ضفاف احدى الترع، وله من الاشقاء خمسة وجميعهم خارج المدارس ويقومون بالعمل فى الشوارع والتسول، واستنبطنا منة انه يقوم ببيع المناديل بدل التسول بطريقة مباشرة، فكثيرا يعطف علية الناس ويعطونه المال دون اخذ المناديل منه.
ويقول بصوت خافت محزن، اشعر بالحرمان وعدم الامان والنقصان وكأنى اقل من غيرى من الاطفال، وكنت اتمنى ان يكون والدى رءوف ورحيم بي من الذل اللي انا فيه، وان يكون متعلم ولديه المال الكافى للقدرة على تلبيه متطلباتنا من مأكل ومشرب وملبس وألعاب وغيره، وأضاف انه يشعر بالحزن والألم الذى ينحر صدره عندما يرى اقرانة من الاطفال فى الملاهى وينظرون اليه نظرة استحقار بسبب ملابسة المتسخة وغير المهندمة.
أولياء الأمور سبب تواجد أطفال بالشوارع
يقول "أشرف سلطان "أخصائى أجتماعى بالأزهر الشريف ان سبب تلك المشكلة ووجود هؤلاء الاطفال بالشوارع يرجع الى أولياء أمورهم، وأسرهم،الذين تركوهم عرضه للضياع والانحرافات فى الميادين والشوارع التى لا ترحم ولا تخرج جيلا سويا، وتركوهم فى مواجهة المصير المجهول الذى ينتظرهم، دون ادنى تدخل من الاباء، أو رقيب عليهم او موجه ناصح لهم.
ويضيف كان واجب على ابائهم العناية بهم وليس تركهم فى الشوارع بعد انجابهم لهم، بحثا عن المال، مهما كانت الظروف الاسرية قاسية، فهؤلاء الاطفال لا يستطيعون تحديد مصيرهم بالطريق الصحيح وهم عرضة للانحراف بعيدا عن توجيهات ورعاية الاباء.
الزيادة السكانية دور في الظاهرة
أما "عبد الهادى السيد" أخصائى أجتماعى أيضا يقول أن الزيادة السكانية لها دور كبير فى وجود وانتشار تلك الظاهرة، حيث لا يستطيع ولى الامر غير ميسور الحال على تلبية كل متطلبات الحياة المتزايدة وخاصة أن كان لدية عدد كبير من الابناء، فجميعهم يحتاج مأكل ومشرب وملبس ومنهم من يحتاج دواء ومصاريف دراسية، وانتقالات وغيره، وعند عجزة عن تلبية كل ذلك يضطر الى تركهم للخروج الى الشارع سواء للعمل أو التسول أو السرقة،مما يساعد ذلك فى ظهورهم وانتشارهم بالميادين والشوارع شتى.
ويضيف ايضا ان قلة فرص العمل امام هؤلاء الاطفال تجعلهم يتجهون الى ايجاد عمل لذاتهم مثل التسول أو السرقة، أو العمل فى صناعات لا تليق مع براءتهم وطفولتهم، والتى يعاقب عليها القانون، فى ظل عدم وجود قوانين كافية ورادعة للحفاظ على الاطفال وأن وجدت فهى غير مفعله، بل يتجهون فى كثير من الاحيان اى فرص عمل تصعب على من هم أكبر منهم سنا، ونظرا لعدم توافر فرص العمل يضطرون للعمل فيها، ومنها العمل فى المحاجر،أو الحدادة، أو نقل القمامة ونبشها، مما يعرضهم للكثير من المخاطر الصحية، مثل الاصابة بالإمراض المزمنة او العاهات الجسمية فى حالة الحوادث بتلك المهن.
وأكد ايضا "عبد الهادى " انه يجب علينا ان نقوم بإصلاحات فى كافة المناحى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيره، ونقوم بمواجهة ظاهرة الزيادة السكانية والتى لها دور كبير فى ايجاد هؤلاء الاطفال، ويجب علينا ايضا أن نوفر فرص عمل مناسبة لهؤلاء الاطفال، وإدماجهم بين أقرانهم فى المجتمع حتى يمكن الاستفادة منهم والقضاء على ظاهرة اطفال الشوارع.
الحرية الزائدة هي السبب
ويؤكد أحد اولياء الامور ان من اسباب الظاهرة ايضا الحرية الزائدة والغير مقننة التى يمنحها كثير من أولياء الامور لأبنائهم، والتى تمكنهم من العمل فى اى شئ وفى اى وقت مقابل الحصول على المال، فتسمح لهم بمزاولة افعال سيئة وغير اخلاقية وغير مرغوب بها مثل التدخين، والخروج ليلا لفترات طويلة على المقاهى ومقاهى النت، وغيره، مما يساعدهم من الاقتراب من احضان الشوارع والانفلات الاخلاقى.
أوقاف سوهاج: الإسلام حض على رعاية الأطفال
ويقول الشيخ على طيفور وكيل وزارة الاوقاف بسوهاج، أن الاسلام اهتم بحماية حقوق الطفل من الانتهاكات، واهتم بتأمين مستقبلهم، وان الاسلام ايضا يحارب الظلم الاجتماعى، وان التحاق الاطفال بأعمال تحرمهم من المساواة بأقرانهم من الاطفال الاخرين غير مقبول وسيمنعهم من اكتساب كافة حقوقه الأساسية مثل حنان الأم والأب مما يجعله أكثر عرضه لأن يكون إنسان غير سوى وضار بالمجتمع.
وأكد ان الإسلام حض على رعاية الأطفال وخاصة اليتامى والمشردين او اللقطاء الذى هجروا منازلهم لظروف مادية او اسرية قاسية، وجعل الأمة كلها مسئولة مسؤولية مباشرة عن رعاية هؤلاء الأطفال.
ويطالب "سيد م" موظف، المؤسسات والجهات المنوطة مثل المجلس القومى للأمومة والطفولة ومديريات الشئون الاجتماعية وبعض الجمعيات والمؤسسات الاهلية، بحماية هؤلاء الاطفال من التشرد ومخاطر الشارع وإعادة تأهيلهم وتوعية اسرهم بما يجب عليهم وحقوق ابنائه عليهم.
ويضيف ان من اسباب تلك الظاهرة التفكك الاسرى والفقر المدقع، ويجب فى كلا الاحوال مواجهتهم بطريق علاجية سليمة،حتى يمكن لنا من السيطرة على تلك الظاهرة كبعض الدول التى نجحت فى ذلك الامر، وحولت الاطفال الى طاقات منتجة داخل المدارس والمؤسسات التى هى احق بهم من الشارع، وان ترك معالجة تلك الظاهرة يعرضهم للإمراض والإدمان والتسول والتحرش والإجرام وغيرة من ظواهر تسئ وتهدم المجتمع.
عضو هيئة تدريس بالجامعة: انفصال الوالدين له دور كبير
وأكدت احد اعضاء هيئة التدريس بجامعة سوهاج،أن أهم أسباب خروج هؤلاء الأطفال للشارع يرجع الي انفصال الأب عن الأم أو وفاة أحدهما أو ألاثنين معا، في ظل ظروف اقتصادية صعبة والإقامة في المناطق العشوائية واكتساب السلوكيات غير القويمة وانخفاض الوعي الديني والعنف وغياب ألقدوة وارتفاع نسبة الامية، بحيث لا تصبح لديهم مهنة إلا ألتسول،وأكدت انة يجب علينا التنشئة الاجتماعية السليمة وإنقاذ هؤلاء الأسر من الفقر وتمكينهم اقتصاديا واجتماعيا مما يجفف منابع تلك ألظاهرة.
وأكدت الدكتورة سحر وهبي عضو هيئة التدريس بجامعة سوهاج، ايضا أن ظاهرة أطفال العمالة الرديئة انتشرت وزادت بشكل ملحوظ في الفترة ألأخيرة ومن اسبابها التسرب من التعليم والتفكك الأسري والفقر، حيث تحول هؤلاء الأطفال لأشخاص أكثر خطورة وانجرافا بالإضافة الي الاتجار بهم.
وكيل وزارة الشئون: نسعى لتقديم يد العون لهم
ويقول محمد عبدالسلام وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بسوهاج، انه بالفعل انتشرت ظاهرة أطفال العمالة الرديئة فى المجتمع السوهاجي فى الاونة الاخيرة بطريقة ملحوظة، وتسعى مديرية التضامن الاجتماعى بالتعاون مع بعض الجهات المنوطة بذلك، لتقديم مساعدات لهم ولا سرهم لتغير من مسار حياتهم الى الافضل.
وأضاف عبد السلام انه فى عام 2015 تم حصر 84 حالة وأسرة من تلك الفئات وتم التعامل معهم وتقديم المساعدات الاجتماعية لهم ولا اسرهم،حيث لانملك الضبطية القضائية التى تمكنا من التعامل بطريقة مباشرة لهم فى الشوارع، ويؤكد ان الاعداد من تلك الفئات تضاعفت كثيرا فى اخر عامين، وتمكنا من الحاق بعض الاسر منهم ببرنامج تكافل وكرامة وبعض المساعدات الاجتماعية الاخرى فى محاولة للتخفيف عن تلك الاسر ومساعدتها فى تلبية متطلبات ابنائها.
وأضاف ايضا انه تم الحاق بعض الاطفال من تلك الفئة بالمدارس وخاصة من لم يتجاوز منهم السن القانوني، إلحاق البعض الاخر بمدارس التعليم المجتمعي، وتدريبهم وتعليمهم بعض المهن والحرف.