شينخوا : أزمة سيولة خانقة في قطاع غزة مع تواصل الحرب بين إسرائيل وحماس
الأحد 03/أغسطس/2025 - 05:45 م

فاطمة بدوي
طباعة
قضى الفلسطيني عبد الله عبد ربه، ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في التنقل بين المحال التجارية بحثا عن تاجر عمولة لسحب راتبه الشهري، وسط أزمة سيولة خانقة يعاني منها قطاع غزة.
وعاد عبد ربه إلى خيمته غرب مدينة غزة خالي الوفاض بعد أن عجز عن شراء أي شيء من السوق بسبب عدم تمكنه من الحصول على النقود.
وقال الرجل ، والعرق يتصبب من جبينه لوكالة أنباء ((شينخوا)) "عمولة سحب الراتب أصبحت 55٪، التجار يأخذون أكثر من نصف الراتب مقابل إعطائنا السيولة. هذا أمر لا يحدث في أي مكان آخر".
وأضاف عبد ربه، وهو أب لأربعة أطفال: "لم أتمكن من الحصول على نقود، لذلك لم أستطع شراء الطحين لأطفالي الصغار. إنهم جائعون، وأنا عاجز تمامًا".
وتمثل حالة عبد ربه واحدة من آلاف الحالات اليومية التي يشهدها قطاع غزة في ظل الحصار المالي المتفاقم، حيث تعمل البنوك ضمن نطاق محدود، وأصبحت السيولة النقدية عملة نادرة يصعب الوصول إليها.
ومنعت إسرائيل منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023 إدخال السيولة النقدية، بما في ذلك الشيقل الإسرائيلي، وأُغلقت البنوك، ما دفع الفلسطينيين إلى اللجوء إلى محلات الصرافة وتجار العمولة لسحب أموالهم.
ومع توقف إدخال النقد، أصبحت معظم العملة الورقية المتداولة في القطاع مهترئة وغير صالحة للاستخدام، مما فاقم معاناة السكان.
"الباعة والتجار يزيدون من معاناتنا"، هكذا قال صالح فيصل، من داخل أحد الأسواق العشوائية المنتشرة في غزة.
وأضاف الرجل الأربعيني: "منذ الصباح وأنا أتنقل من بسطة إلى أخرى في محاولة لشراء شيء نأكله، لكن الباعة يرفضون النقود الورقية بحجة أنها بالية".
ويشكو فيصل من أن الأوضاع "لم تعد تُحتمل"، مشيرًا إلى "أن الأسعار تضاعفت بشكل غير مسبوق، والبضائع محتكرة في أيدي عدد محدود من التجار، بينما انهار النظام المصرفي بالكامل".
فيما قال محمد الحلاق، وهو بائع متجول في أحد أسواق غزة، لـ((شينخوا)): "نحن لسنا من صنع الأزمة، ولكن هناك عصابات تتحكم في العملة والأسواق. في ظل هذا الوضع الكارثي، لا يمكننا المواجهة، لأننا إن توقفنا عن العمل سنفقد مصدر رزقنا وتموت عائلاتنا من الجوع".
ويرفض الحلاق قبول العملات المهترئة لأن "التجار الكبار يرفضون أخذها منا، وبالتالي قد نخسر البضاعة والنقود في الوقت نفسه"، على حد قوله.
وتشير تقارير سلطة النقد الفلسطينية إلى أن نحو 1.2 مليار شيقل من السيولة المطلوبة مفقودة من النظام المصرفي في غزة حتى منتصف 2024.
فيما تفيد بيانات برنامج الأغذية العالمي بأن 9 من كل 10 عائلات في القطاع تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
وقال المحلل الاقتصادي وعضو الأمانة العامة لاتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين سمير أبو مدلله، إن القطاع المصرفي في غزة يتعرض لانهيار شبه شامل منذ اندلاع الحرب.
وأوضح أن نحو 98٪ من البنية المصرفية تم تعطيلها أو تدميرها، مشيرًا إلى أن نحو 180 مليون شيقل نُهبت من فروع البنوك بسبب الفوضى والفراغ الأمني، كما تجاوزت الخسائر المباشرة 14 مليون دولار، إضافة إلى الأثر الممتد على محفظة القروض التي فقدت أكثر من مليار دولار من قيمتها.
وأضاف أن التضخم تجاوز 500٪، وأن كثيرًا من الحوالات الخارجية أصبحت تمر عبر قنوات غير رسمية، ما عزز نفوذ السوق السوداء وعمّق حالة الفوضى المالية.
ومع توقف عمل البنوك الرسمية، لجأ المواطنون إلى سوق موازية يديرها وسطاء وتجار صرافة غير مرخصين. وظهرت ممارسات جديدة أطلق عليها السكان اسم "التكييش"، حيث يقوم التجار بتحويل الرواتب الرقمية إلى سيولة نقدية مقابل عمولات تتجاوز أحيانًا 50٪.
وقال أحمد الداعور، وهو موظف في وزارة التربية والتعليم: "عندما أستلم راتبي عبر تطبيق رقمي، أضطر للذهاب إلى تاجر عمولة. إذا كان راتبي 200 دولار، لا أحصل فعليًا إلا على 90 إلى 100 دولار نقدًا، والباقي يذهب كعمولة".
وأضاف "نحن ندفع ثمن الحصار مرتين: مرة بمنع النقد، ومرة أخرى بالاستغلال الداخلي".
وتُقدّر مصادر محلية أن نحو 70٪ من الحوالات الرقمية تمر اليوم عبر وسطاء غير رسميين، ما يعكس تراجع الثقة بالنظام المصرفي.
ويواجه عدد من هؤلاء الوسطاء اتهامات بالعمل بعلاقات غير مباشرة مع فصائل محلية أو جهات نافذة، ما يمنحهم حرية العمل رغم صدور قرارات رسمية بحظر تلك الممارسات.
من جهة أخرى، تركت الأزمة المالية آثارًا اجتماعية ونفسية عميقة، إذ ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 85٪، بينما وصلت نسبة البطالة إلى نحو 90٪، بحسب تقارير البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية (ILO).
وباتت الخلافات العائلية والمشاكل النفسية شائعة. وتقول منى شحادة، موظفة اجتماعية في منظمة إغاثية محلية: "كل يوم نسمع عن حالات طلاق جديدة بسبب الفقر، أو شباب حاولوا الانتحار".
وأضافت أن ذلك أدى إلى ارتفاع معدلات السرقة والاحتيال، وظهور أنماط جديدة من الجريمة الاقتصادية، نتيجة انهيار منظومات الدعم الاجتماعي وانعدام الأمان الوظيفي والاقتصادي.
ويرى خبراء قانونيون أن إسرائيل تخرق اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994، والتي تنص على التزامها بتحويل فائض الشيقل وتسهيل حركة الأموال إلى السلطة الفلسطينية.
وقال المحامي المتخصص في القانون الدولي أحمد حمد لـ((شينخوا)): "إن منع إدخال النقد إلى غزة يمثل خرقًا مباشرًا لبنود اتفاق باريس، وقد يُصنف كجريمة اقتصادية جماعية إذا تم النظر إليه في سياق العقوبات الجماعية".
وأكد حمد ضرورة تفعيل دور سلطة النقد في الرقابة على الصرافين والتجار غير المرخصين، مع مصادرة أرباحهم وتجميد أرصدتهم وملاحقتهم قانونيًا، إلى جانب إنشاء بوابة رسمية لتلقي شكاوى المواطنين، ونشر أسماء المخالفين على قوائم المنع من السفر.
واعتبر حمد أنه "من الضروري دعم المحافظ الإلكترونية المرخصة وربطها بأنظمة دفع عالمية تضمن الشفافية، والحد من الاعتماد على السوق السوداء، إضافة إلى دعوة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لإرسال بعثات رقابة مالية ميدانية إلى غزة لتقييم الأزمة عن قرب".
وتشن إسرائيل حرباً واسعة ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، أوقعت، بحسب وزارة الصحة في القطاع، أكثر من 60 ألف قتيل و145 ألف مصاب، بالإضافة إلى دمار كبير في المباني والبنية التحتية.
واندلعت الحرب إثر هجوم مفاجئ شنته حماس على جنوب إسرائيل، أسفر، بحسب السلطات الإسرائيلية، عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز رهائن.■