المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

مارات كاليجانوف : لماذا يبني مؤتمر زعماء الديانات العالمية والتقليدية الجسور في عالم منقسم؟

الأحد 03/أغسطس/2025 - 04:52 م
المواطن
فاطمة بدوي
طباعة


كتبت مارات كاليجانوف، الرئيس بالإنابة لمجلس إدارة المركز الدولي للحوار بين الأديان فى كازاخستان  مقالة له جاء فيها : 

في ظل تنامي التوترات العالمية في العلاقات الدولية، تزداد الحاجة إلى منصات إنسانية مستدامة قادرة على تقديم حلول بناءة وتعزيز الثقة بين الحضارات والثقافات والأديان إلحاحًا. ومن القضايا الرئيسية المطروحة على الأجندة الدولية اليوم الحوار بين الأديان، والوئام، والاحترام المتبادل والتفاهم، بالإضافة إلى التعاون والشراكة العالميين. 

في ظل هذه التطورات العالمية، أصبح مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية مبادرةً بارزةً وفريدةً في السياسة الخارجية لكازاخستان. انعقد هذا المنتدى بين الأديان لأول مرة في مطلع الألفية الثالثة في أستانا، وتطور ليصبح مؤسسةً دوليةً متكاملةً وذات سلطة، معترفًا بها عالميًا على مدى ربع القرن الماضي.

ينطلق المؤتمر من رسالة عميقة ومتعددة الجوانب، ليكون منارةً للوئام العالمي. ويسعى في جوهره إلى تحديد وتوضيح القيم الأخلاقية والإنسانية المشتركة التي ترتكز عليها جميع الديانات العالمية والتقليدية الرئيسية. ويساهم هذا العمل التأسيسي في بناء جسور التفاهم بين مختلف المعتقدات.

يهدف المؤتمر، بشكل حاسم، إلى تعزيز الاحترام المتبادل والتسامح بين أفراد جميع الأديان والمذاهب والأمم والجماعات العرقية. ويعمل بنشاط على منع الاستغلال الخطير للمشاعر الدينية كذريعة للتحريض على الصراع أو العدوان العسكري، وهي مهمة بالغة الأهمية في عالمنا المعقد اليوم.

في نهاية المطاف، يُعدّ المؤتمر مؤسسةً دوليةً دائمةً للتواصل بين الأديان. وهذا يضمن التطوير المستمر والمنسق والمهني للأيديولوجية والرؤية التي ستُوجّه التجمعات المستقبلية، مما يُرسّخ دوره كقوةٍ ثابتةٍ للسلام والحوار على الساحة العالمية.

إن أنشطة المؤتمر تظهر بوضوح أنه في عالم مليء بالتناقضات والصراعات والاستقطاب والتوترات الروحية المتصاعدة، فإن طريق الحوار بين الأديان والتضامن والقيادة القائمة على القيم والتعاون هو الذي يقلل بشكل ملموس من انعدام الثقة والاغتراب بين أتباع الديانات المختلفة.

يتجلى نجاح المؤتمر واستدامة مساره على المدى الطويل - لا سيما في أوقات الأزمات العالمية - في قدرته على جمع قادة دينيين بارزين ومحترمين من جميع أنحاء العالم على منصته: من الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية والطاوية والشنتوية والجاينية والزرادشتية والبهائية. ويشهد حضورهم، إلى جانب حضور قادة سياسيين بارزين ورؤساء منظمات دولية، على الرؤية الاستراتيجية والسلطة المتنامية للدبلوماسية الروحية الكازاخستانية، التي تعمل الدولة على تعزيزها بنشاط واستمرار.

المنظور التاريخي

إن إلقاء نظرة سريعة على مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية يُبرز بروزه كمنصة حيوية للحوار العالمي. انطلق المؤتمر من كازاخستان عام ٢٠٠٣، مُسترشدًا بقيمها العلمانية والتزامها بالسلام، وجاء استجابةً للمخاطر العالمية المتزايدة، لا سيما تلك المتجذرة في التطرف الديني، عقب هجمات ١١ سبتمبر. وعكس المؤتمر رؤية كازاخستان للتعايش السلمي والتسامح، المتجذرة في هويتها متعددة الأعراق والأديان، وهدف إلى إنشاء منصة دولية مستدامة للتعاون بين الأديان.

عُقد المؤتمر الافتتاحي يومي 23 و24 سبتمبر/أيلول 2003 في أستانا، وجمع ممثلين عن الإسلام والمسيحية واليهودية وأديان أخرى في جو من الاحترام المتبادل. وحظي بدعم عالمي قوي، بدعم من البابا يوحنا بولس الثاني، والبطريرك أليكسي الثاني بطريرك موسكو، والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. واختتم المؤتمر بإعلان تاريخي حدد الأهداف الرئيسية: مأسسة الحوار بين الأديان، والتعاون مع المنظمات الدولية، وتوسيع نطاق التفاعل مع وسائل الإعلام والشباب والعلماء، وتعزيز التسامح لمواجهة العنف والتطرف.

عُقد المؤتمر الثاني، يومي 12 و13 سبتمبر/أيلول 2006، في قصر السلام والوئام المُشيّد حديثًا في أستانا. ركّز المؤتمر على "الدين والمجتمع والأمن الدولي"، وجمع قادة دينيين من 26 دولة، وأصدر مبادئ الحوار بين الأديان، وهو إعلان تأسيسي حدد تسعة مبادئ أساسية كإطار عالمي للتعاون الديني في جميع أنحاء العالم.

ركّز المؤتمر الثالث، الذي عُقد في ١٢ يوليو ٢٠٠٩، على دور القادة الدينيين في بناء السلام من خلال التسامح والاحترام المتبادل والتعاون. وبمشاركة أكثر من ٧٠ وفدًا من ٣٧ دولة، مثّل المؤتمر توسّعًا ملحوظًا في نطاقه، ورسّخ سمعة المؤتمر كمنصة عالمية موثوقة للحوار بين الأديان في ظلّ تنامي الانقسامات الأيديولوجية والدينية.

كان من أهم نتائج المؤتمر نداء المشاركين، الذي مهد الطريق لمشاورات متعددة الأطراف لتعزيز الحوار بين الأديان على المستوى العالمي. كما أدى إلى إنشاء مجلس الزعماء الدينيين، وهو هيئة مؤسسية تضمن الاستمرارية بين المؤتمرات وتساعد في صياغة الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى.

عُقد المؤتمر الرابع، يومي 30 و31 مايو/أيار 2012، تحت شعار "السلام والوئام خيار البشرية"، بمشاركة 85 وفدًا من 40 دولة. في ظل تصاعد الصراعات الدينية والنازية الجديدة وكراهية الأجانب، وفّر المؤتمر منبرًا بالغ الأهمية للاستجابة الروحية الموحدة. وأكد بيانه الختامي على دور الدين في مواجهة التحديات العالمية ونبذ التطرف والإرهاب والانحطاط الأخلاقي.

ومن الجدير بالذكر أن مجلس الزعماء الدينيين عقد اجتماعه الافتتاحي عشية المؤتمر، وهو ما يشكل علامة فارقة في إضفاء الطابع المؤسسي على دور المؤتمر في المشاركة بين الأديان العالمية.

شهد المؤتمر الخامس، الذي عُقد في يونيو/حزيران 2015 تحت عنوان "حوار الزعماء الدينيين والسياسيين من أجل السلام والتنمية"، تقدمًا مؤسسيًا إضافيًا. حضره 80 وفدًا من 42 دولة، من بينهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وأكد المنتدى على ريادة كازاخستان في تعزيز التعاون بين الأديان. وأكد بيانه الختامي على أهمية القيم الأخلاقية، والرسالة الروحية للزعماء الدينيين، والحاجة إلى تعاون أعمق مع المؤسسات السياسية والمنظمات الدولية لحل النزاعات العالمية بما يتماشى مع القانون الدولي.

انطلاقًا من مكانته الدولية المتنامية،   عُقد  المؤتمر السادس يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تحت شعار "القادة الدينيون من أجل عالم آمن". وبمشاركة 82 وفدًا  من 43 دولة، أكد المؤتمر مكانته كمنصة عالمية رائدة للدبلوماسية بين الأديان.

وأكد البيان الختامي على الدور الحيوي للمؤتمر في تعزيز الحوار بين الحضارات، ودعا الزعماء الدينيين إلى تعزيز السلام من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ومنع الاستفزازات في أماكن العبادة، ومكافحة تشويه التعاليم والقيم الدينية.

في هذه المرحلة، تطور المؤتمر من منتدى حوار إلى مؤسسة صامدة. وبفضل قيادة راسخة وهياكل مثل مجلس الزعماء الدينيين، أصبح ركيزة من ركائز الدبلوماسية الروحية، دافعًا نحو الوئام العالمي من خلال الاحترام المتبادل والمسؤولية الأخلاقية المشتركة.

أهم النقاط المستفادة من المؤتمر الأخير

مثّل المؤتمر السابع لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، الذي عُقد يومي 14 و15 سبتمبر/أيلول 2022،  إنجازًا بارزًا  في مسيرة الحوار بين الأديان، وذلك بإضفاء الطابع المؤسسي الرسمي على قمة أستانا للحوار بين الأديان كمنصة عالمية معترف بها. وقد ضمّ هذا الحدث أكثر من 100 وفد من 50 دولة، بما في ذلك الحضور التاريخي للبابا فرنسيس والإمام الأكبر للأزهر الشريف، الشيخ أحمد الطيب، مما يؤكد الأهمية العالمية المتنامية للمؤتمر في ظلّ تزايد الانقسام والاستقطاب.

في كلمته الرئيسية، شدد الرئيس قاسم جومارت توكاييف على دور القادة الدينيين باعتبارهم "بوصلة أخلاقية للإنسانية" في عالم غير مستقر. وأكد إيمان كازاخستان بأن السلام الحقيقي يتطلب حوارًا صادقًا، والالتزام بالمعايير الدولية، واحترام السيادة الوطنية - وهي مبادئ جوهرية في رؤية كازاخستان الدبلوماسية.

اختتم المؤتمر أعماله باعتماد بيان ختامي وتكليف الأمانة العامة بإعداد تصور تنموي طويل الأمد للفترة 2023-2033. وقد أُقرت هذه الاستراتيجية الاستشرافية في اجتماع الأمانة العامة الحادي والعشرين المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ولتوجيه عملية التنفيذ، وافق رئيس مجلس الشيوخ، مولين أشيمباييف، على خطة عمل للفترة 2024-2025، تُركز على توسيع التعاون بين الأديان، وتعميق الحوار، وتعزيز مكانة المؤتمر كمؤسسة عالمية دائمة وذات مرجعية.

لماذا يُعد المركز الدولي للحوار بين الأديان أمرًا مهمًا؟

من أهم الخطوات إنشاء المركز الدولي للحوار بين الأديان. تُمثل هذه المؤسسة الجديدة علامة فارقة في مسيرة المؤتمر، إذ تُشكل مركزًا دائمًا لتعزيز التفاهم والتعاون بين الأديان عبر مجتمعات وثقافات متنوعة.

وتؤكد هذه المبادرات مجتمعة تطور المؤتمر ليصبح مؤسسة تحظى بالاحترام على مستوى العالم في مجال الدبلوماسية الروحية، وهي المؤسسة التي لا تعمل على تعزيز التفاهم بين الأديان فحسب، بل تساهم أيضًا بشكل فعال في تشكيل نظام عالمي أكثر سلامًا وتوحدًا.

لم يضمن إنشاء المركز الاستمرارية بين المؤتمرات واجتماعات مؤسساته الإدارية فحسب، بل مكّن أيضًا من تطوير بنية تحتية متينة لدعم التفاعل المستدام بين الأوساط الدينية والخبراء. ومن الإنجازات المميزة لهذه المبادرة تشكيل هيكل تنظيمي مستقر يضمن استمرارية المؤتمر على المدى الطويل وسلامته المؤسسية. ويقع في صميم هذا الهيكل مجلس القادة الدينيين، الذي يوفر الإشراف الاستراتيجي والحوكمة. وتتولى أمانة المؤتمر إدارة التنسيق التشغيلي، بدعم من فريق عملها ومنتدى القادة الدينيين الشباب، وذلك بمشاركة مباشرة وفعالة من المركز.

"الاستدامة والقدرة على التكيف بشكل استثنائي"

على مدى أكثر من عقدين من الزمن، أثبت مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية استدامةً وقدرةً استثنائيةً على التكيف مع نظام عالمي سريع التحوّل. وأثبت قيمته كقناة فعّالة لدبلوماسية المسار الثاني، إذ ساهم في سد الفجوات التي غالبًا ما تُهملها الآليات الدبلوماسية التقليدية. وقد أكّد الرئيس قاسم جومارت توكاييف على هذا الدور بشكلٍ ملحوظ، مُسلّطًا الضوء على أزمة الثقة المتفاقمة في الهياكل التقليدية للحوكمة العالمية.

من خلال هذه المنصة، نجحت كازاخستان في تحويل ما بدأ كمبادرة إنسانية إلى آلية ديناميكية ومؤسسية لتحقيق الاستقرار العالمي. ويمثل المؤتمر اليوم مثالاً واضحاً على كيفية تكامل الدبلوماسية الروحية بفعالية مع أدوات السياسة الخارجية التقليدية، مما يعزز التفاهم والتعاون في عالم شديد الانقسام.

بالنظر إلى المستقبل، وفي ظل تزايد الانقسام العالمي والاستقطاب الأيديولوجي، يُبشر المؤتمر الثامن القادم لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، والمقرر عقده في سبتمبر من هذا العام تحت شعار "حوار الأديان: تآزر من أجل المستقبل"، بأن يكون حدثًا عالميًا بارزًا. انطلاقًا من نزاهة أخلاقية وهدفٍ عملي، يهدف هذا المؤتمر إلى دعم تعزيز الوئام والتفاهم المتبادل والتسامح والوحدة والسلام والأمن في عالمٍ تتشكل معالمه بشكل متزايد بمبادئ التعايش السلمي.

موضوعات متعلقة

هل تعتقد أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشباب حاليًا في الزواج؟

هل تعتقد أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشباب حاليًا في الزواج؟
ads
ads
ads
ads
ads